فيليب ستيفانز - الفايننشال تايمز

حين سئل ذات مرة عن رأيه في الحضارة الغربية، أجاب المهاتما غاندي بعبارته المشهورة المتعلقة بالتأثير فقال: quot;تلك ستكون فكرة جيدةquot;. ويخطر ذلك التعليق على بالي كلما سألت عن السياسة الخارجية لغوردون براون.

وهذه الأيام باتت عبارة quot;كلما سألتquot; تعني quot;غالبا ما سألتquot;. وفي الأثناء، يبدي صناع السياسة في واشنطن وبرلين وباريس وبروكسيل لامبالاة مطلقة بما إذا كان رئيس وزراء بريطانيا المفترض سيكون quot;عماليا جديدا أم قديماquot;، داعماً لقطاع الأعمال أم مؤيدا لاتجاه فرض الضرائب. لكنهم مع ذلك ما يزالون يعيرون اهتماما للسياسة الخارجية البريطانية. ولأنهم لم يستمعوا سوى الى نزر يسير من الأمور التي تهمهم، فقد بدأوا يخشون من حدوث الأسوأ. ذلك أن السيد براون، رئيس الوزراء الجديد كما يبدو الآن في حكم المؤكد، لا يحب الأجانب كثيرا. وفي حين رقص توني بلير كثيرا ولعقد كامل على خشبة المسرح العالمي، فإن السيد براون يفضل التحديق في quot;دفاتر الاستاذquot; المتعلقة بخزينته على الخوض في المجاملات التي تسود القمم الدولية. وتقتضي السياسة من رئيس الوزراء النأي بنفسه عن الرئيبس جورج دبليو بوش. كما أن طبيعته الخاصة ربما تحمله على الأنفة من الانخراط في حراك أوروبا.

إن الأمور لا تسير في الحقيقة على ذلك المنوال، بل إنها لن تسير كذلك أبدا. إذ ان الشؤون الخارجية هي المكان الذي يتم فيه تشكيل الساسة والسياسات العامة في الغالب بفعل تطورات غير مرئية اكثر منه بفعل النزوات الشخصية. لكنك تستطيع اكتشاف السبب في استنتاجات الآخرين هذه عن خليفة السيد بلير شبه المؤكد.

الى ذلك، تقول الحكمة التقليدية في البلاد انه لن يكون بمقدور براون الفوز في انتخابات عامة ما لم يتخلص من شياطين العراق، إذ لن تذهب أي أصوات لمن يتخادن مع بوش. أما بالنسبة لأوروبا، فإن براون نادراً ما أخفى ازدراءه، كوزير للمالية، لطبيعة المؤسسات والطموحات السياسية لشركاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

وفي الغضون، ما يزال السيد براون يتلقى نصائح سيئة من قبل أطبائه المتخصصين في دوار الرأس، والذين يسعون إلى خلق تناقض فج بينه وبين السيد بلير. فتراهم يهمسون بالقول: ان رئيس الوزراء يحب الحروب، تذكر تدخلاته في كوسوفو وسيراليون بالاضافة الى افغانستان والعراق. في حين سيستبدل السيد براون الدبابات بالكتب المدرسية، لاحظ التزامه بقضية التعليم في افريقيا.

ولكن، وكما هو حاصل، فإن الرجلين يشتركان في اعتقاد واحد كان سائدا في القرن التاسع عشر، والذي يتركز حول دور بريطانيا الكوني. والافتراض السائد هو أن بريطانيا، رغم تجريدها من امبراطوريتها منذ امد بعيد، تظل مع ذلك قوة تعمل إلى جانب الخير في العالم. ولكننا بينما نجد السيد بلير الذي تلقى دراسته في واحدة من ابرز المدارس الاسكتلندية الخاصة يلعب دور المحارب الغلادستوني، نجد السيد براون، نجل القس الاسكتلندي، يبدو أكثر ميلاً إلى لعب دور المبشر الكهنوتي.

أما وقد قيل ذلك، فإن الإيحاءات بأن السيبد براون يستطيع بناء سياسة خارجية قائمة على الطموحات المستحقة للإطراء، والداعية إلى دعم التعليم في افريقيا او توسيع إطار المساعدة المالية التي تقدم للمبدعين الفلسطينيين، إنما تتحدث في افضل الحالات عن سذاجة مستشاريه. ذلك أن الخيارات الاستراتيجية الكبيرة لبريطانيا -حول علاقتها مع الولايات المتحدة والقوى العائدة إلى الصعود في آسيا ومكانتها في اوروبا- ليست خيارات يمكن صنعها في البنك الدولي.

من جهته، قال براون الشيء القليل والثمين مع ذلك. ففي لقاء مع محطة quot;بي بي سيquot; في عطلة نهاية الاسبوع، قال إنه يمكن أن يتحدث لصالح المصلحة القومية، في الوقت الذي يستمر فيه بانتهاج علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة. وليس هناك من جديد هنا، فقد كان قد ايد قرار السيد بلير الفج، والقاضي بتحديث الرادع النووي البريطاني المشاد به اميركيا. وهنا، جاء مبدأ السلامة أولاً.

أما بالنسبة لأوروبا، فقد ابلغ احد المساعدين الفايننشال تايمز أخيراً بأن عداء السيد بلير لفكرة اندماج اوروبي اعمق انما هي فكرة يتقاسمها مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركيل ووزير الداخلية الفرنسية نيكولاس ساركوزي. وأضاف المساعد انه إذا فاز ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فإن القادة الثلاثة سيشكلون ترويكا اوروبية قوية ذات نزعة متشككة في قمة الاتحاد الاوروبي. وقد ناضلت عبثا محاولاً ايجاد تفسير مناسب لسوء القراءة الساذج هذا للديناميكيات السياسية الخاصة بالقارة.

وتدعو السياسة والتوجهات الشخصية إلى الشك بأن السيد براون قد يسعى الى الارتداد عن اوروبا والولايات المتحدة كليهما. وإذا ما كان ارتباط وثيق مع السيد بوش سيضر به داخل حزبه الخاص، فإن السيد براون يخشى من ان يقع فريسة لضغط الاتجاه البريطاني المتشكك اوروبيا. وتراه احيانا يعكس مشاعر بانه أفضليته ستمنح للاضطلاع بدور كوني خال من كل الارهاصات. وبحيث تكون بريطانيا أشبه بمنارة على جزيرة.

وعودة الى عالم الواقع، حيث لا يستطيع السيد براون الإفلات من التحولات الهيكلية الكبيرة في المشهد الجيوسياسي، والتي تفرض نفسها على رئاسته للوزراء، ومهما تكن المحصلة في العراق، فإن روابط العلاقة الوثيقة عبر الأطلسي قد تفككت بشكل كبير. ذلك ان الاتكالية المتبادلة قد افسحت المجال امام شراكة في الخيار. وفي عالم تشكله الصين والهند بالاضافة الى الولايات المتحدة، فإن بريطانيا لا تستطيع ان تتابع تحقيق مصالحها بفعالية إلا إذا عملت مع جيرانها الأوروبيين.

الى ذلك، قال السيد براون خلال عطلة نهاية الاسبوع، ان العقد المقبل سيتحدد من خلال ردود الحكومة على مصادر التهديد الأمني الجديدة في العصر، وعلى التغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية التي تشكلها العولمة. وباستطاعة بريطانيا هنا ان تكون فعلا مثلا مفيدا، لكنها لن يكون لها اثر ما لم تتول الزعامة الاوروبية.

لكن ذلك لن يكون سهلا. ولعل السيد براون كان على حق حين قال إن الكثيرين في اوروبا يحتاجون لأن يتكيفوا مع العولمة. ويمكن لبروكسيل ان تكون مكانا مغيظا، ذلك ان اللاهوتية الدستورية غالبا ما تدفع بالتعاون العملي جانبا. وإذا ما اراد السيد براون لصوته أن يكون مسموعاً، فإنه سيكتشف قريباً جداً انه ليس أمامه مكان آخر يمكن أن يذهب إليه.