سمير عطا الله

مرت تسعة وخمسون عاماً على اغتيال المهاتما غاندي. وبعد اغتياله قال وزير الدفاع الهندي للحاكم البريطاني العام اللورد مونتباتن laquo;الحمد لله ان القاتل ليس مسلماً ولا بنغالياraquo;. لقد كان اصولياً هندوسياً مسكوناً بالحقد وثقافة الموت والبغض والقتل. وكان يرى عدوا شرسا في رجل حقق laquo;اكبرraquo; استقلال في التاريخ، معرضاً صدره الصغير للرصاص بدل ان يطلق النار على المستعمر. حافياً وشبه عار قاد حفاة الهند وفقراءها وجائعيها ضد جنود الامبراطورية بثيابهم المزركشة وبنادقهم الحديثة ورشاشاتهم السريعة الطلقات. وهزم الامبراطورية رافعاً شعاراً واحداً: الحب والحقيقة.

ولم يتكرر غاندي ولا تجربته. وقد ارتفع عدد سكان الهند منذ الاستقلال من 350 مليوناً الى مليار، بينهم الآن 300 مليون ثري ومتوسط الثراء. واقامت الهند بعد غروب الاستعمار نظاماً ديمقراطياً بقدر ما هي الديمقراطية ممكنة. ولم يخل عهد خلفائه من العنف، كما فعلت انديرا غاندي في تقسيم باكستان بالقوة، ثم قضى راجيف بهراواتهم القبيحة. ولكن النظام الديمقراطي حمى الاستقلال والحرية من الغرائز والسطو. وللأسف ان الدول التي قدمت الوف الشهداء في الحرب على الاستعمار نقلت العنف من محاربة اعدائها الى محاربة الاهل. ففي الجزائر كان مليون شهيد من اجل الاستقلال ثم كان ربع مليون قتيل في التذابح الاهلي. وطردت عدن الانكليز بمعارك ضارية ثم ارتد الرفاق على انفسهم وملأوا laquo;الكريترraquo; بالدماء، وكتب لينين. وكلفت الوحدة اليمنية آلافاً اخرى وسجوناً وإعاقات. والعراق الذي جمع مكوناته الوطنية والقومية الاستعمار البريطاني سرعان ما طرد فكرة الحرية والتسامح والتعايش وسقط تحت قبضة الديكتاتور. وها هو يشقف نفسه اليوم إربا وأشلاء في شوارع العاصمة التي كانت رمز قيامته الاستقلالية.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وظاهرة غاندي واكتشاف الحرية والكرامة عن طريق الحياة والسلم بدل الموت والقتل، تغير وجه العالم كلياً الى متغيرين: واحد عنفي غير قابل للحياة او للبقاء، وآخر حضاري قابل للتقدم والتطور. وأصبحت المانيا الهتلرية الفاقدة الاوصال وللعقل احد اهم اقتصادات العالم. وتخلت اليابان الامبراطورية عن ثقافة laquo;الهاراكيريraquo; لتصبح احد انجح المجتمعات في التاريخ. وفي المقابل سقطت فكرة الديكتاتورية والقمع في اوروبا الشرقية وهوت معها الانظمة. وافتقرت الدول الخاضعة للديكتاتوريات وتراجعت برغم ثرواتها الطبيعية التي لا حدود لها. وأمس كان الشيخ محمد بن راشد يعرض في قلب الصحراء حكاية امارة مذهلة لم يعد هناك مقياس ممكن لقياس نسبة تطورها ونموها. وخلاصة فكرته او رؤيته البسيطة ان واجب الحاكم ان يحب الناس وليس العكس. وان يحب بلده. وان يعمل من اجله. وليس العكس.