عبد الباري عطوان
حرص المتحدثون باسم الوفدين الفلسطينيين اللذين شدا الرحال الي مكة المكرمة للمشاركة في لقاء المصالحة الذي يرعاه العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز علي تأكيد نواياهم الطيبة، وحرصهم الاكيد علي انجاح هذا اللقاء بالتوصل الي اتفاق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية تنهي حال الاحتقان، وتضع حدا للصدامات الدموية المؤسفة، ولكن يظل من السابق لأوانه الاغراق في التفاؤل، لأن النوايا الطيبة شيء، وما يحدث علي الارض شيء آخر مختلف جدا.
اللقاء في حد ذاته ينطوي علي درجة كبيرة من الاهمية، من حيث الزمان والمكان. فأي جهد عربي يصب في محصلة حقن الدماء ولملمة الشمل، وتخفيف معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، هو جهد محمود، فما شهدته الاراضي العربية المحتلة من صدامات دامية اودت بحياة اكثر من اربعين فلسطينيا، هو امر مؤسف بكل المقاييس.
السؤال هو حول كيفية نجاح لقاء مكة فيما فشلت في انجازه لقاءات ووساطات سابقة وخاصة في غزة ودمشق والقاهرة. فالمسألة ليست مسألة لقاء وتبويس لحي، والقاء مواعظ مطولة حول حقن الدم الفلسطيني، وانما مناقشة الاسباب الحقيقية للخلافات التي قادت الي هذه النتائج المؤسفة، وايجاد حلول عملية لها.
مكة المكرمة استضافت لقاء مماثلا قبل شهرين لقيادات ومراجع عراقية من مختلف المذاهب والطوائف، وبحضور العاهل السعودي نفسه، ووسط مهرجانات اعلامية مماثلة، وجري الاتفاق علي وثيقة مكة التي كانت النقطة الاولي فيها تحريم سفك الدم العراقي، فماذا كانت النتيجة؟ المزيد من السيارات المفخخة واكثر من خمسة آلاف قتيل عراقي من مختلف الطوائف، وتصاعد الحرب الاهلية الطائفية.
الصدامات الفلسطينية ـ الفلسطينية هي اعراض جانبية لمرض خطير مزمن اسمه محاولة امريكية ـ اسرائيلية لإجهاض نتائج عملية ديمقراطية، ومنع حكومة منتخبة من الحكم، ومعاقبة شعب فلسطيني بأسره بسبب تصديق اكذوبة الديمقراطية الامريكية، واختيار ممثليه من خلال انتخابات نزيهة حرة وغير مسبوقة في الوطن العربي بأسره. وطالما ان الجهود منصبة حاليا علي معالجة الاعراض الجانبية، وليس العلة الاساسية، فإن مصير لقاء مكة الفلسطيني لن يكون افضل حالا من لقاء مكة العراقي.
الحكومات العربية ساهمت، كل حسب دوره وحجمه، في انفجار حال الاحتقان الداخلي الفلسطيني، عندما ساهمت في الحصار المالي الخانق المفروض علي الشعب الفلسطيني، وتخلت بطريقة مخجلة عن تعهدها الذي قطعته علي نفسها، في اجتماع لوزراء خارجية الدول العربية في القاهرة، بكسر هذا الحصار وعدم الالتزام به.
فاذا كانت هذه الحكومات عجزت عن فتح معبر لعلاج المرضي او عودة حجاج بيت الله الحرام في موعدهم، فهل ستنجح في ايصال الاموال والمساعدات للجائعين او المجوعين بقرار امريكي ـ اسرائيلي؟ لا نعتقد ذلك، والاجابة مكتوبة علي الحائط بوضوح.
ومع ذلك تظل هناك جوانب ايجابية لهذا اللقاء، اولها التقاء السيدين محمود عباس رئيس السلطة وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس كندين متساويين في المكانة والثقل السياسي، وبدعوة من ملك عربي تردد طويلا في الاعتراف بحركة حماس او الالتقاء بأي من المسؤولين الكبار فيها. العاهل السعودي لم يلتق السيد مشعل قبل ذلك، وتجنب لقاء السيد محمود الزهار وزير الخارجية اثناء زيارته للرياض، وحتي عندما وجه دعوة الي السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء لزيارة المملكة وارسل له طائرة خاصة الي العريش، لم تكن دعوة رسمية، وانما لأداء فريضة الحج، حيث توجه دعوات عديدة لقيادات وزعامات سياسية وقبلية وحزبية اسلامية من مختلف انحاء العالم، يلتقون بالعاهل السعودي اثناء أداء مناسك الحج.
عقبتان اساسيتان حالتا دون توصل اللقاءات السابقة بين حركتي فتح و حماس الي اتفاق مصالحة ينهي حالة التوتر، ويسمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية:
العقبة الاولي: رفض حركة حماس القبول بنص في خطاب التكليف بتشكيل الحكومة الجديدة، يؤكد علي الالتزام بالاتفاقات الموقعة من قبل السلطة، اي اتفاق اوسلو الذي ينص علي الاعتراف بالدولة العبرية.
العقبة الثانية: تنازل حركة حماس عن الوزارات السيادية لشخصيات مستقلة تسمي بعضها او توافق عليها بشرط مسبق الولايات المتحدة الامريكية، وخاصة منصبي وزير المالية ووزير الداخلية.
حماس ابدت استعدادا لاستبدال كلمة التزام بكلمة احترام وأصرت علي عدم قبول اي اسماء لوزراء يفرضون من قبل جهات خارجية، وامريكية علي وجه التحديد.
وما زال السؤال المطروح في هذا الخصوص هو عما اذا كان السيد مشعل سيتنازل في مكة عما رفض التنازل عنه في دمشق، حيث حلفاؤه السوريون الخلص، اي القبول بكلمة التزام والتخلي عن الاحترام وفي حال تقديمه هذا التنازل الذي يعني الاعتراف باسرائيل، ماذا سيحصل في المقابل؟
بمعني آخر هل سيلغي اتفاق مكة في حال التوصل اليه الخطط الامريكية التي رصدت 128 مليون دولار لتعزيز حرس الرئاسة الفلسطيني ورفع تعداده الي اكثر من عشرة آلاف شخص وتنظيف قوات الامن الوطني الفلسطينية البالغ تعدادها 40 الفا من كل العناصر التي تؤمن بالمقاومة او تتعاطف معها، تحت ذريعة اعادة تأهيل هذه القوات.
وفي حال الاتفاق علي تسمية وزراء الوزارات السيادية هل سيوضع الحرس الرئاسي والمعابر وقوات الامن العام وجهازا المخابرات والامن الوقائي تحت امرة وزير الداخلية الجديد، وبصلاحيات مطلقة؟ وما هو مصير القوة التنفيذية التي اسستها وزارة داخلية حماس لتكون ميليشيا موازية لميليشيات الرئاسة ومستشاريها الامنيين؟
الشعب الفلسطيني كله يتطلع الي نجاح لقاء مكة، ولكن لا بد من توفر الأسس اللازمة لهذا النجاح، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
اولا: ان تسلم حركة حماس بانها لا يمكن ان تجمع بين السلطة والمعارضة في الوقت نفسه، وتحمل بطيختي المقاومة والحكومة الثقيلتين والمتناقضتين، فلا بد من اسقاط احداهما، فإما القبول بالحكومة وهذا يتطلب القبول بشروطها كاملة، وإما التمسك بالمقاومة وتحمل كل تبعاتها.
شخصيا كنت اتمني لو ان حماس لم تخض الانتخابات التشريعية، وان تتنازل عن تشكيل الحكومة فور الفوز فيها، بعد ان تبين ان هناك انقلابا ضدها، يريد افشالها وعقاب الشعب الفلسطيني بسببها. فلو فعلت حماس ذلك لتضاعفت شعبيتها في اوساط الفلسطينيين في الداخل والخارج.
ثانيا: ان تسلم قيادة حركة فتح بانها خسرت السلطة بسبب فسادها، وليس فساد الحركة، وان عليها ان تتنحي جانبا لطرف ثالث مقبول، وتطهر نفسها من السياسات التي تبنتها اخيرا عندما ربطت نفسها بالمشروع الامريكي، وقبلت ان تتحول الي كونترا فلسطينية، ودون اي مقابل ملموس علي صعيد تحقيق الحد الأدني من المطالب الفلسطينية.
من الصعب ان نري حركة حماس تنسحب من الحكومة وتسلمها بطريقة مباشرة او غير مباشرة للطرف الآخر او من يدورون في فلكه، بعد كل ما حدث من صدامات وصمود في وجه الحصارين الامريكي منه والعربي، ومن المستحيل ان نصدق ان الرئيس عباس سيدير ظهره بالكامل للسيدة كوندوليزا رايس و محور المعتدلين الذي اسسته ويتوقف عن عناق ايهود اولمرت ومطالبته باستئناف المفاوضات. ويعيد حركة فتح الي منابعها الاولي كحركة كفاح وطني.
ثم من يضمن، في حال التوصل الي اتفاق، ان تلتزم به القوي الاقليمية، وتسهل تنفيذه، ونقصد هنا سورية ومصر وايران وهي القوي التي تشعر بحساسية مطلقة تجاه خسارة الورقة الفلسطينية لطرف آخر.
نعم نحن غير متفائلين ليس لاننا لا نريد نجاح مؤتمر مكة، ولكن لاننا نري ان المسألة اكثر تعقيدا من المصافحة والعناق امام كاميرات التلفزة في حضور العاهل السعودي. فنحن امام رأسين يتناطحان من اجل الفوز بسلطة وهمية، ولن يتوقف هذا النطاح الذي تحول اخيرا الي معارك دموية، حتي يفوز كبش ويهزم الآخر.
ونأمل ان نكون مخطئين.
- آخر تحديث :
التعليقات