الأثنين 12 فبراير 2007

د. حسن مدن


تفاوتت ردود الفعل حول التصريحات الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي وجه فيها نقدا مريرا وصف بأنه غير مسبوق للسياسات الأمريكية حول العالم. ففي حين سعى البعض للتقليل من أهمية الخطاب، وقالوا إن خطاب بوتين يعد إحدى الحركات التي دأبت روسيا على اتخاذها بصفة دورية للتعبير عن سخطها من تلاشي دورها الكبير الذي كانت تلعبه في الخريطة السياسية للعالم، فان الناطق الإعلامي باسم البيت الأبيض لم يخف انزعاجه من التصريحات التي وصفها بأنها ldquo;خاطئةrdquo;، وقال إن الولايات المتحدة تشعر بخيبة الأمل والاستغراب منها.

وكان الرئيس الروسي يتحدث في افتتاح مؤتمر ميونيخ الذي يشارك فيه 250 مسؤولا من بينهم أكثر من 40 وزير دفاع وخارجية، وهو مؤتمر ينعقد سنويا، وكان قد انطلق للمرة الأولى عام ،1962 حيث بات يمثل فرصة لزعماء العالم لبحث أكثر القضايا العالمية إلحاحاً. وبدت لافتة الطريقة التي تحدث فيها بوتين، حين هاجم الولايات المتحدة بسبب استخدامها ldquo;شبه المنفلتrdquo; للقوة في أنحاء العالم. وقال إن النهج الأمريكي ldquo;خطير جداrdquo; في العلاقات الدولية ويشعل سباق تسلح نووي، فبسبب الطريقة التي تتجاوز بها الولايات المتحدة حدودها الدولية بكل السبل، لم يعد أحد يشعر بالأمان أو أن بوسعه اللوذ بالقانون الدولي وهذا ينعش سباقا للتسلح حيث يسعى عدد متزايد من الدول للحصول على الأسلحة النووية.

وخاطب بوتين الحضور قائلا: ldquo;ماذا يعني عامل وحيد القطبية؟ بصرف النظر عن محاولاتنا لتجميل تلك العبارة، فإنها لا تعني سوى وجود عالم يرتكز على وجود قوة واحدة تتحكم فيه. وان عالما له سيد واحد فقط قد قاد إلى كوارث. فالحروب الأهلية والإقليمية لم تقل، كما أن عدد الناس الذين يقتلون بسببها لم يقل بل زاد. إننا لا نرى أي نوع من التعقل في استخدام القوة، بل نرى استخداما مستديما ومفرطا للقوةrdquo;. وأضاف: ldquo;إن الولايات المتحدة قد خرجت من صراع لتدخل صراعا آخر من دون تحقيق أي حل شامل لأي منهاrdquo;.

هناك من يرى انه سيتم تذكر خطاب بوتين باعتباره نقطة تحول في العلاقات الدولية. وتشير ردود الفعل القوية التي أثارها الخطاب في الدوائر الأمريكية والأطلسية عامة إلى قلق من أن تسعى روسيا لاستعادة دورها المفتقد في عالم اليوم، ذلك بأن الخطاب وصف بأنه أكثر اقترابا في لهجته من لغة الحرب الباردة. ولعل مصدر القلق الرئيسي لا يعود فقط إلى شعور روسيا بتنامي دورها مجدداً، وإنما أيضاً إلى إدراكها للتبدلات الملحوظة في توازنات القوى الدولية أمام تعثر السياسة الأمريكية في أكثر من مكان، ويظل أن روسيا قوة دولية جار عليها الزمن، من دون أن يعني ذلك فقدانها لعوامل القوة الكامنة الكثيرة التي تختزنها. وإذا كان الاتحاد السوفييتي شكل في مساحته سدس العالم، فإن روسيا وحدها تشكل ثمن هذا العالم. ورغم التلويحات التي صدرت من واشنطن ردًا على بوتين وفحواها انه ليس هناك مكان للمواجهات غير الضرورية في عالم اليوم الأحادي القطب، فان روسيا التي يقف على قمة الهرم الحاكم فيها زعيم معروف بحزمه وبخلفيته الأمنية المشبعة بروح المصالح القومية لبلاده، بعيدا عن الإطار الأيديولوجي الذي خرج منه، يمكن أن تنهض بدور آخر ستكون له نتائج ليس بوسع أحد أن يتجاهلها.