سحر بعاصيري

اول ما اثاره توصل اميركا وكوريا الشمالية الى اتفاق نووي في اطار المفاوضات السداسية هو سؤال عما اذا كان نموذج هذا الاتفاق ينفع لحل مشكلة الملف النووي الايراني.
وهذا طبيعي ليس لان اكثر الازمات تفجرا في المنطقة ترتبط في شكل او في آخر بهذا الملف فحسب، بل لان الاتفاق يشكل نقطة تحوّل في سياسة الرئيس جورج بوش من تشدد مطلق الى براغماتية اغضبت صقور ادارته فانتقدوه.

فبعدما تجاهل بوش الاتفاق الذي كانت ادارة كلينتون توصلت اليه مع كوريا الشمالية، وضع هذه الدولة في quot;محور الشرquot; مع ايران والعراق واقفل الباب على اي كلام عن منحها اية حوافز لوقف برنامجها النووي قبل ان تفكك هذا البرنامج. اما كوريا الشمالية التي تعتبر برامجها للتسلح ورقتها الوحيدة للحصول على المال والمساعدات من العالم، فقابلته بتشدد مماثل وتحولت دولة نووية واجرت تجربتها الاولى في تشرين الاول من العام الماضي.

ولكن ها ان بوش وكيم - جونغ ايل يتوصلان بعد اربعة اشهر من التجربة الى اتفاق يكرس قبول هذين الرئيسين بما لم يقبلا به من قبل: كيم يقفل المفاعل النووي الرئيس في 60 يوما ثم يعطّله ويفكك البرنامج النووي كله في اشراف دولي وبوش (في اطار السداسية) يمنحه حوافز ومساعدات اساسها المحروقات. بل اكثر، سيرفع كوريا الشمالية عن لائحة الدول الراعية للارهاب ويسمح للشركات الاميركية بالاستثمار فيها والاتجار معها. هذا طبعا اذا التزم كيم الجدول الزمني للتنفيذ.

لا شك في ان ورطة الرجلين ساهمت في هذا التحول. بوش غارق في العراق وتوتره مع ايران يتصاعد وارتباكه العام متواصل في هذه المنطقة ومشاكله في الداخل تتزايد ولا يحتاج الى مواجهة في شبه الجزيرة الكورية بل ان نجاحه في محاولة نزع سلاحها سلميا قد يخدمه. اما كيم فيواجه وضعا اقتصاديا مزريا بسبب العزلة الدولية ويعاني عواقب الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه مع الصين يوم اجرى تجربته النووية على رغم تحذيراتها له وخطر ان تنفذ تهديداتها له بقطع انبوب الحياة التي تمده به محروقات واغذية منذ ستة عقود.

حاجة الرجلين اتاحت اذاً انجاز الصفقة. وهي صفقة قائمة عمليا على الابتزاز والرشوة. فالسياسة الوحيدة التي يمارسها كيم مع اميركا هي الابتزاز والان قرر بوش رشوته. وقد حصلت quot;المساوماتquot; الفعلية بين البلدين في اجتماعات سرية عقدها مفاوضان في برلين في كانون الثاني.

على ان هذه الاجتماعات والمساومات لا تقلل قيمة اساسية للاتفاق هي انه متعدد وليس ثنائيا تشارك فيه كل من روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية. وهذه quot;التعدديةquot; تساعد بوش ايضا في تحسين صورته وضمان الاتفاق والاهم في كسب ود الصين وروسيا التي تتحداه هذه الايام بسبب quot;تفردهquot;. فالاتفاق لم يعلن في الصين التي ترعى الاجتماعات السداسية عمليا منذ 2003 فحسب بل حرصت اميركا على الاعتراف لها بالفضل الاكبر في التوصل اليه. ففي النهاية تستطيع الصين بحكم قوتها وعلاقتها بكوريا الشمالية ان تسهّل او تعقّد اي اتفاق اذا لم يلائمها.
والى ان تتضح حدود هذا الاتفاق وما اذا كان سينفذ ثم يؤدي الى اختراق حقيقي في حل الازمة مع كوريا الشمالية، سيظل يشغل ايران والمعنيين بنتائج مواجهتها مع اميركا لمتابعة احتمال سلوك بوش سياسة براغماتية معها وحدود الدور الذي يمكن ان تضطلع به روسيا والصين.