عبد الرحمن الراشد


على مدى أربع سنوات تقريبا كانت كوريا الشمالية تبدو واحدة من دول منطقتنا، أخبارها تتشابك مع أخبارنا، برقياتها تؤيدنا، وزعيمها مثل بعض زعمائنا، وخطبه مثل خطبهم، وشحناتها من الأسلحة تأتي من سيول إلى موانئ منطقتنا.

والحقيقة أن أكبر عون قدمته كوريا الشمالية لم يكن السلاح، بل نفسها كنموذج. فقد جرأت الغير على تحدي المجتمع الدولي، بنقض الاتفاق الذي وقعت عليه ضد حيازة الأسلحة النووية. وما كانت طهران تفعلها لولا أن سيول سبقتها بإعلان تفجيري، كشف عن برنامجها النووي وبنفس لغة التحدي.

لكننا الآن أمام نتيجة مختلفة، فقد فاجأتنا كوريا الشمالية بخضوعها وقبولها اتفاقا يوقف مشروعها النووي، مقابل عرض متواضع، 250 مليون دولار من النفط، أقل من مصاريف القوات الأميركية في العراق ليوم واحد. والسؤال كيف تراجع الزعيم كيم يونغ عن حلمه النووي، وهو الذي يوصف دائما بأنه رجل مريض بهوس العظمة، وقد احتفل قبل أيام بعيد ميلاده كعادته ببذخ في بلد يموت الناس فيه من الجوع؟ ومن المبكر الجزم بأن الأزمة الكورية قد انتهت، حتى تغلق عمليا المفاعلات بالشمع الأحمر.

وقد يظن البعض ان تراجع كيم وقبوله بالعرض احتفل به في واشنطن، التي تخوض عمليا معركتين في العالم، واحدة ضد ايران والثانية ضد كوريا الشمالية، كنصر مبين. لا، أبدا لم أر احتفالا واحدا. فقد كنت في العاصمة الاميركية خلال الأيام القليلة الماضية، حيث سمعت أن أكثر الناس قربا من الرئيس جورج بوش اتهموه بالليونة وأقل قليلا من خيانة العهد السياسي، معتبرين أن الاتفاق فيه مكافأة لدولة شريرة. ايلي ابرامز اعترض على الصفقة، لأنها قدمت تنازلات، مثل انهاء محاسبة سيول في قضايا الارهاب، مع أن كوريا رغم سمعتها السيئة لم تسجل عليها حادثة إرهابية واحدة منذ نحو عشرين سنة عندما اتهمت بالتورط في إسقاط طائرة مدنية لكوريا الجنوبية. أما السفير السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون فقد هاجم الاتفاق جملة وتفصيلا، فهو يطالب برأس النظام لا تجميد المفاعلات فقط، ويرى أن بوش تخلى عن ذلك. وعندما اتهم بولتون بعدم الولاء لرئيسه بوش، الذي وقف معه في محنة تعيينه سفيرا، رد بأن ولاءه فقط للسياسة التي كان يسير عليها.

ورغم هذه الاصوات الرافضة من جانب يمين اليمين، إلا أن قبول سيول بالاتفاق وإنهاء مشروعها النووي بمبلغ زهيد نسبيا، يفتح لنا أفقا جديدا في وقف المشروع النووي الإيراني، الذي يمثل واحدة من أخطر الإشكالات التي تواجهنا. فالحل السلمي هو الخيار الأفضل، لكنه بكل أسف خيار يبتعد مع اقتراب المزيد من البوارج الأميركية باتجاه الساحل الإيراني، ومع استمرار طهران في عنادها ورفضها لعروض أوروبية كانت عادلة وجيدة. اليوم إيران وحيدة بعد تراجع سيول، مما يزيد من جسارة واشنطن ويرجح احتمال الصدام.

[email protected]