سحر بعاصيري
الى ان تتضح النغمة التي سيرسيها مؤتمر بغداد بعد يومين، تبدو المنطقة معلّقة في جملة من التناقضات في اتجاهات الاطراف الاساسيين المعنيين وتاليا اتجاهات الازمات.
كأن كل طرف يمسك بيديه خطتين، واحدة للتسوية اذا نجح اختبار بغداد واخرى للمواجهة اذا فشل. بل كأن كل طرف يلعب لعبة حافة الهاوية في يد ليزيد ضغوطه او حظوظه مطمئنا في الوقت نفسه الى ان المؤتمر سينقل المنطقة الى مرحلة جديدة ايا يكن اتجاهها.
الرئيس جورج بوش يقول ان المؤتمر quot;يشكل اختبارا مهما لمعرفة ما اذا كانت ايران وسوريا تريدان فعلا ان تكونا قوتين بناءتين في العراقquot;. ويقول هذا بعدما بنى من الحشود العسكرية والضغوط السياسية والاعلامية على ايران ما يكفي لاقناعها بجديته في احتمال ضربها عسكريا. واذا صحت نظرية وقوع الضابط الايراني الكبير علي رضا عسكري في ايدي الاميركيين إن بخطفه او بانشقاقه، يكون بوش امسك بموضع موجع جدا لايران. الا انه في الوقت نفسه يعلن ان مؤتمرا آخر حول مستقبل العراق سيعقد في نيسان على مستوى وزراء الخارجية يضم عددا كبيرا من الدول، بما يوحي ان هذا المؤتمر سيكون تتمة لمؤتمر سينجح في بغداد.
وبين سياسة الترهيب والترغيب التي يتبعها بوش، تتناقض ايران بين التشدد والمرونة. لا مساومات في الكلام المعلن وخصوصا في الموضوع النووي ولا نتائج فعلية بعد للحوار المفتوح بينها وبين السعودية والذي كان آخره زيارة الرئيس محمود احمدي نجاد للمملكة والتي انتهت الى اتفاق على منع الفتنة. لا حلحلة في الازمة اللبنانية ونصائح من نجاد لحركة quot;حماسquot; بالتشدد والعراق على حاله. ومع هذا انتظرت طهران حتى امس لتعلن رسميا قرار مشاركتها في مؤتمر بغداد.
اما سوريا المتحمسة لان ينطلق من بغداد حوار شامل بينها وبين اميركا والتي لا تزال في ذروة تشددها بل رفضها في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، فتبدو هي أيضاً في حال من التناقض اصعب من حال ايران، ربما لان استبعادها عن الحوار السعودي الايراني اثار قلقها من ان تتم تسوية اميركية - ايرانية من دونها او على حسابها وإن تكن الاتصالات الايرانية معها لم تنقطع وكذلك التنسيق، بدليل ان نائب الرئيس الايراني يصل الى دمشق اليوم. او ربما لان الحوار المباشر بين الرياض وطهران يكرس انتهاء زمن كانت سوريا تضطلع فيه بدور الوسيط عمليا بين العرب وايران علما انه انتهى فعلاً بسبب طبيعة الازمات في المنطقة وموقع ايران المتقدم على سوريا في التحالف بينهما.
لا تناقض معلنا بين الدولتين ولكن لا يمكن قراءة انتقاد نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي لايران بعد لقائه نظيره السوري فاروق الشرع في دمشق الا من باب التناقضات. فهو قال ان تدخل ايران في الشأن العراقي quot;هاجس لديناquot; وان quot;الموقف في العراق قد وصل بوضوح الى القادة في سوريا ووعدوا خيرا في شأن هذه المسألةquot;، مؤكدا ان quot;سوريا لن تتخلى عن دورها العربي والقومي الذي عرفت به تاريخياquot;. والارجح ان يحاكي الاسد في خطابه اليوم هذا quot;الدورquot; بما قد يساهم في محاولة وصل ما انقطع مع السعودية.
كل هذا انما يعني ان الجميع مدركون انهم مقبلون على امر كبير وثمة من يعتقد ان اسس الانطلاق نحو تسويات باتت جاهزة. ولكن في اي حال سيكون موعد السبت في بغداد الفصل بين مرحلتين. وايا يكن اتجاه المرحلة الجديدة، لا بد ان تتغير فيها قواعد اللعبة.
- آخر تحديث :
التعليقات