عبد الرحمن الراشد
الإسرائيليون شرعوا منذ نهاية حرب الصيف الماضية على لبنان في التحقيق ما أصابهم سياسيا وأمنيا وعسكريا ضمن مراجعة ومحاسبة داخلية، دأبوا على ممارستها بعد كل أزمة أو حرب هم طرف فيها. وبالأمس الأول جاء الدور على ايهود اولمرت، رئيس الوزراء والرجل الذي ضغط على زر الحرب. في شهادته أفشى ثلاثة أسرار كنا قد سمعنا بها أو توقعناها. قال انه حذر الحكومة اللبنانية من مغبة خطف أي جندي إسرائيلي إثر محاولة فاشلة سبقتها. وذكر انه أمر الجيش بالتخطيط لشن حرب بغزو بري ان قام حزب الله أو غيره بأي عملية خطف مقبلة. واعترف أيضا بان وزيرة خارجية أميركا اتصلت به أول يوم بعد الحرب وحذرته من ضرب البنى التحتية للبنان حتى لا تضعف الحكومة المركزية.
ومن العبث العودة للجدل السابق الذي سعت الأطراف اللبنانية المحاربة لطمسه وإسكات وتخوين المتحدثين به لأنهم قالوا إن ما فعله حزب الله كان مغامرة خرقاء قتل فيها ألف لبناني من اجل تحرير ثلاثة سجناء لحزب الله عند إسرائيل. حتى الأمين العام لحزب الله نفسه خرج على الملأ واعترف بشجاعة تقدر له انه لو كان يدري ان لبنان سيصيبه واحدا في المائة مما أصابه لما أقدم على خطف الجنديين الإسرائيليين. لكن تعمد هؤلاء إسكات السيد نصر الله بشطب أقواله من سجلاتهم النقاشية، والإصرار على أكذوبة الانتصار التي وجدت التهليل عند جمهور العرب المتفرجين كالعادة يحييون أي قتال لا يقتل فيه أولادهم، ولا تدمر بيوتهم، ولا يهز استقرار بلدانهم. الحرب تركت لبنان بلدا مدمرا وسياسيا ممزقا، تتوزعه قوات ألمانية مرابطة في المطار تفتش الداخل والخارج، وقوات فرنسية تفتش الموانئ، وقوات جوية إسرائيلية ترابط في أجواء لبنان، إضافة إلى إقصاء قوات حزب الله من ثلث لبنان جنوبا لأول مرة الذي نقل منسوبيه من مواجهة إسرائيل إلى احتلال وسط بيروت، على اعتبار أن من لا يقدر على الحمار يقدر على البردعة.
منذ عملية الخطف الخرقاء ولبنان لم يعد لبنان السابق، فقد هاجر آلاف من مواطنيه إلى أنحاء العالم، وأغلقت الكثير من المرافق الاقتصادية، وخسر الكثير من المهاجرين تحويشة حياتهم التي جلبوها من أفريقيا واستراليا وأميركا.
لكن المثير للاستغراب أن الإسرائيليين يعترفون بأخطائهم وخسائرهم، يحاسبون أنفسهم وقادتهم، أما في لبنان فإنهم يقاتلون بعضهم، ويرفضون بمكابرة الإقرار بما وقع من أخطاء. هنا يمكن أن نفهم لماذا إسرائيل تستطيع أن تتفوق علينا، ولماذا نحن في إخفاق دائم. أعطونا كارثة واحدة حلت، طبيعية أو بتدبير بشري، حقق وحوسب المخطئ فيها. لن تجدوا واحدة منذ سلسلة هزائمنا منذ عام ثمانية وأربعين، بل ذهب ضحيتها أكباش فداء لتخليص الفاعلين من غضب الناس وغسل الفضيحة.
التعليقات