الأربعاء 21 مارس 2007

صلاح الدين حافظ

لا أعرف على وجه اليقين، هل سيحضر القمة العربية الوشيكة، الجنرال علي ولد محمد فال بصفته رئيس موريتانيا العسكري، بعد أن أوفى بتعهده بتسليم السلطة لحكام مدنيين جدد، أم أنه لن يحضر مفسحا الطريق للرئيس المنتخب الجديد؟

وبافتراض أنه قد يحضر، على الأقل مودعا بريق القيادة، لا أعرف على وجه اليقين مرة أخرى، كيف سيعامله زملاؤه من القادة.. هل سيعاملونه على أنه قائد انقلاب عسكري، سلم السلطة طواعية إلى رئيس مدني، فاستحق إعجاب ldquo;العامة والدهماءrdquo; من أبناء الأمة، أم سينظرون إليه على أنه رئيس خائن لتقاليد الحكم، ولتوارث السلطة، فاستحق غضب زملائه ونقمتهم؟

درس موريتانيا، الدولة العربية البعيدة الفقيرة، (4.3 مليون نسمة بنسبة 46 في المائة تحت خط الفقر و60 في المائة أمية) تلك الواقعة عند أقصى الهامش العربي غربا، في نجاحها بالانتقال السريع ldquo;والديموقراطيrdquo; من الحكم العسكري إلى الحكم المدني المنتخب، درس مثير، ليس لأنه طازج وحديث فقط، ولكنه أيضا لأنه درس عميق ونافذ.

درس موريتانيا، التي يتهكمون على ديموقراطيتها، ويصفون انتخاباتها الحديثة بالمسخرة سوف يطرح نفسه على قمة الرياض، من دون أن يكون مدرجا رسميا على جدول الأعمال، وسوف يضع القادة العرب المجتمعين، في موضع الحرج، ويذكرهم بالسابقة ldquo;المأساويةrdquo; التي ارتكبها الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب في الثمانينات، حين تخلى طواعية عن حكم السودان، وسلمه عبر الانتخابات للمدنيين.

أمثالنا من عامة القوم يتساءلون، أليس غريبا أن تأتي السابقتان ldquo;المأساويتانrdquo; لتنازل العسكر عن الحكم للمدنيين، من جانب دولتين عربيتين إفريقيتين، يعايرهما بعض السادة والقادة، بالفقر والتخلف والبداوة، ويسخرون من ارتكابهما لهذه السوابق المشينة، في حق تقاليد الحكم العربي العتيدة، الملكية منها والجمهورية، المحافظة والثورية؟

ربما يتذكر قادتنا العرب، أنهم يجتمعون هذه المرة في قمة هي الأولى على جزء من أرض شبه الجزيرة العربية، التي أنبتت قبل ألف وأربعمائة عام، سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم اليتيم الفقير، مبعوثا رسولا للكافة، سياسيا محنكا وقائدا شجاعا، يشيع في البرية رسالة سماوية منزلة، قوامها الحق والعدل والحرية، ثم وضع خلفاؤه الراشدون، قواعد الحكم بالشورى وحرية الاختيار، من بين الأصلح والأعقل والأعدل، لذلك جاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم جميعا.

***

لكن بالمقابل حتما يتذكر قادتنا العرب أنه من نفس الأرض هذه، خرج معاوية بن أبي سفيان قاصدا الشام في الشمال، حيث بهجة العيش ورغده مخلفا وراءه تقشف الصحراء ليقيم خلافة إسلامية مغايرة، بقواعد وراثية للحكم سلطة وثروة، غير قواعد الشورى وحرية الاختيار والعدالة، ولينهي عهد الخلافة الراشدة، ويبدأ عهود الحكم السلطوي الوراثي.

نتذكر ويتذكرون، كيف حول معاوية دفة الحكم، ليس فقط من الحجاز إلى الشام، ولكن أساسا من الشورى إلى الفرض القسري، ومن حرية الاختيار للأصلح، إلى الوراثة العائلية، معاوية هو الذي جمع أهل الحل والعقد، ليعلن قراره بتولية ابنه يزيد من بعده، في الخلافة لأول مرة في التاريخ الإسلامي، وحين استشعر عدم الرضا على بعض وجوه الحضور، قال قولته الشهيرة، ldquo;من لم يرض بابني خليفة، فليرض بهذاrdquo; شاهر سيفه.

ومن يومها والحال في أمتنا كما نعرف وتعرفون، يسير ذات المسير، وربما بزواجر أشد عنفا وقسوة، وهكذا فإن معاوية بالطبع غير سوار الذهب، وولد فال غير يزيد، استثناء من القاعدة العربية المتوارثة، حيث معاوية الحالي هو معاوية السابق، وحيث يزيد الماضي لا يزال يحكم الحاضر، والسيف هو السيف لا يزال مشهراً بتاراً!

وقد قلنا في مقال الأسبوع الماضي، إن جدول أعمال القمة المقبلة، مشحون بخمسة ملفات، هي خمسة ألغام متفجرة، تتمثل في أزمات كل من العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال، وقلنا إنه رغم اهتمام القمة بها إلا أنها لا تملك القول الفصل فيها، لأن قرارها مستلب ودورها متراجع، فتم تسليم هذه الملفات الملغومة إلى الأيدي الأجنبية، تديرها وتقرر فيها ما تشاء.

اليوم نقول، إنه غير مطروحة على جدول أعمال القمة موضوعات ldquo;رذيلة وثقيلةrdquo;، تعكر الصفو وتكدر المزاج وتنغص الأحوال، من نوع إطلاق الحريات والإصلاح الديموقراطي، وإقامة العدل وتداول السلطة، وإرساء دولة القانون والمؤسسات، وقواعد الحكم الصالح الرشيد، وترسيخ العدالة الاجتماعية وحسن توزيع الثروة بالعدل بين المواطنين، ومحاربة الفقر والبطالة، وزجر تحالف الفساد والاستبداد، والامتناع عن أساليب القمع والقهر وتخفيف الازدحام في السجون والمعتقلات، ومكافحة الأمية التي تشمل 70 مليون عربي على الأقل، وتحرير حرية الصحافة والرأي والتعبير من قيودها الغليظة.

ولا نعرف متى ستركز القمة العربية على مثل هذه الموضوعات الثقيلة الرذيلة، متى تنظر في الأوضاع المتردية، خصوصا موضوع الإصلاح الديموقراطي وإطلاق الحريات العامة، طالما أنها قضت كل ما مضى من سنوات وعقود، منذ اختراع حكاية القمم، في التركيز على ldquo;الملفات الساخنة والقضايا القوميةrdquo;، خصوصا فلسطين والصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;، ثم كانت النتيجة أن الأمر كله لم يعد بيدها، وإنما بيد غيرها، مثل كل الملفات الساخنة والملغومة الأخرى.

ولا نعرف أيضا إلى أي مدى يطلع قادة القمة على التقارير العربية والدولية ذائعة الصيت والشهيرة، التي تتحدث بأسى عن تدهور أوضاع الحريات العامة والخاصة في بلادنا، عن تحالفات الفساد والاستبداد، عن تفشي البطالة والأمية والأمراض في كيان الأمة، بصرف النظر عن اختلاف النسبة من قُطر إلى آخر.

وإن كانوا يطلعون، فإنهم قد عرفوا حتما أن أحد أهم هذه التقارير، وهو التقرير العربي للتنمية البشرية، قد أعلن بوضوح أن تخلف الأمة، هو نتيجة طبيعية لنقائص واضحة فاضحة ldquo;نقص الحرية ونقص المعرفةrdquo;، فإن غابت الحرية وحجبت المعرفة، لن يبقى إلا القهر والجهل، الفقر والإحباط، وكلها نواقص ونقائص لا تلد إلا التخلف والإرهاب والتطرف الفاشي.

***

وإن كانوا يقرأون، فإنهم لا شك قد قرأوا أن التقرير السنوي لحقوق الإنسان في العالم، الصادر قبل أسابيع عن وزارة الخارجية في أمريكا ldquo;الصديقة الحليفةrdquo; قد دان جميع الدول العربية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وتقييد الحريات وأن التقرير السنوي لبيت الحرية ذائع الصيت، قد وضع جميع الدول العربية ضمن آخر خمسين دولة في العالم الأشد فقرا في احترام الحريات والحقوق، وأن التقرير السنوي الأخير لمنظمة الشفافية الدولي، قد وضع معظم الدول العربية في تصنيف الأكثر فسادا، ضمن دراسة شملت 159 دولة في العالم، وأن تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة، تؤكد أن 23 في المائة على الأقل من العرب يعيشون تحت خط الفقر (69 مليونا من بين 300 مليون)، وأن النسبة تتقارب حتى تصل إلى 65 في المائة بين الفلسطينيين و60 في المائة بين الموريتانيين، وما بين 42 و48 في المائة بين المصريين والسودانيين والمغاربة.

وللتذكرة فقط فإن خط الفقر يعني من لا يمتلك إلا دولارين فقط في اليوم، وأن معدل الدخل الفردي للأمريكي في السنة يصل إلى 25 ألف دولار وإلى 18 ألف دولار للفرد في ldquo;إسرائيلrdquo;، في حين أنه قد لا يصل إلى ألف دولار في السنة للفرد في نحو نصف الدول العربية.

والخلاصة، أن سجلنا في مجال الحريات والتنمية، يظل سجلا فقيرا بشكل لافت للنظر، يتشابه للأسف مع أفقر الدول الإفريقية جنوب الصحراء، رغم كل ما تمتلكه الأمة من ثروات هائلة.. لكنها مهدرة، فإن كنا نهدر قيمة الحرية والحقوق فلماذا الإصرار على إهدار الثروات وبهذا الإسراف؟

لا نعتقد أن أمام القمة العربية، متسعاً من الوقت أو الجهد أو الرغبة، في التورط في مناقشة مثل هذه الأوضاع، رغم أنها أوضاع متفجرة، ألغام قابلة للاشتعال والانفجار في أي لحظة وأي مكان، لكنها لا تلقى إلا الإهمال والتجاهل، حيث العين الزائغة لا تبصر إلا ما يرضيها، والعين البصيرة هي التي ترى الحال على واقعه، بياضا أو سوادا.. فأين هي تلك العين التي تتمتع بالبصر والبصيرة معا؟

***

** خير الكلام: قال عمر بن الخطاب:
ldquo;متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراrdquo;.

**وقال علي بن أبي طالب: ldquo;لو كان الفقر رجلا لقتلتهrdquo;.