التقي مبارك خلال زيارته لمصر.. وشارك بمؤتمر إسلامي وألقي محاضرة بالأزهر وتحاور مع مفكرين وتناول الغداء مع هيكل

خاتمي: الأمريكان هم من يروّج لـ الغول الفارسي
أياد خفية غير نظيفة تخرب العلاقات بين مصر وإيران
أنا الذي بدأت المشروع النووي ولن نتراجع عنه لأنه للأغراض السلمية
الإسرائيليون أشد تطرفاً من إيران ولا حل لمشاكل المنطقة الحساسة بدون طهران
حل الازمة الايرانية في الحوار والتفاوض وليس في مجلس الامن
لسنا من يتآمر علي أمن المنطقة وأي خطر تتعرض له إيران سيؤثر علي الشرق الأوسط كله
الوجود الايراني في العراق ولبنان وفلسطين يؤكد اهمية ايران في القضايا الحساسة في المنطقة



القاهرة - فاطمة زكريا ومحمد عدس

علي الرغم من الآراء التي ترفض ان تضع زيارة الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي الي مصر في سياق انها تفتح بابا للامل لحدوث نقلة نوعية في طبيعة العلاقات المصرية الايرانية الا ان الحفاوة والاستقبال الرفيع الذي قوبل به خاتمي في مصر علي المستويين الرسمي وغير الرسمي تؤكد ان تلك الزيارة التاريخية غير المسبوقة قد تساهم بشكل او باخر في تخفيف حالة الاحتقان وحدة التوتر بين مصر وإيران.

زيارة خاتمي الي مصر بدأت بالمشاركة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي للمجلس الاعلي للشؤون الاسلامية والذي اقيم هذا العام تحت عنوان الاسلام والعولمة وتضمنت زيارته برنامجا حافلا بدأ بحفل افطار اقامه الرئيس مبارك علي شرف خاتمي قبيل مغادرته (مبارك) القاهرة متوجها الي الرياض لحضور القمة العربية وهنا وصف خاتمي العلاقات المصرية الايرانية من منطلق ان مصر وايران جناحان وساعدان لا يطير العالم الاسلامي ولا ترسخ الحضارة الاسلامية الا بهما بحيث اذا حذفنا مصر وايران فلن يتبقي شيء كثير من الحضارة الاسلامية.

وفي المحاضرة التي ألقاها في مكتبة الاسكندرية في حضور ما يزيد علي 1000 عالم ومفكر واعضاء النخبة المصرية قال خاتمي:

لقد حاولت كثيرا وبذلت جهودا كبيرة اثناء رئاستي لايران لدفع العديد من الملفات العالقة بين البلدين بهدف عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وايران.

ولكن للاسف الشديد لم استطع ان احقق هذا الامر الا انني غير يائس من الجهود التي يمكن ان تنجح مشيرا الي انه تمت تنمية العلاقات علي عدة مستويات انسانية واقتصادية وثقافية بين البلدين.

واعتبر خاتمي ان لقاءه بمبارك جاء للمرة الثانية بعدما تقابلا في جنيف منذ عدة سنوات وكان هناك اتفاق بينهما علي ضرورة ان تكون هناك علاقات جيدة بين مصر وايران معربا عن امله في شحذ الهمم لتحقيق هذه الرغبة علي الرغم مما يعتريها من عقبات.

وفي جامعة الأزهر وبالتحديد في القاعة التاريخية التي سميت باسم الامام محمد عبده احتشد المئات من الاساتذة والطلاب والطالبات يتقدمهم الامام الاكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الازهر الشريف والدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الاوقاف والدكتور احمد الطيب رئيس جامعة الازهر ومعهم الدكتور مصطفي الفقي ليستمعوا الي محاضرة القاها خاتمي في قلب القاهرة الفاطمية وتناول فيها ضرورة التجديد والاصلاح انطلاقا من الثوابت الاسلامية التي هي الحصن الحصين الذي يحمي المسلم من تحديات عاتية لخصها خاتمي في نوعين من التحديات التحديات الخارجية والتي تتمثل في المستعمر الذي يهدف الي تخريب كل ما هو اسلامي من خلال دق اسافين الفتنة والاختلاف بين المسلمين انفسهم بهدف السيطرة علي البلاد والعباد مشيرا في ذات الوقت الي تحد داخلي اخر يواجه العالم الاسلامي وهو الاستبداد باعتباره السمة الغالبة في العالم الاسلامي والتي تجعل المسلمين يرمون بمشكلاتهم وتأخرهم علي شماعة الاخر الذي يهدف الي تخلفهم وتراجعهم.

وقال ان المخرج الوحيد من هذه الازمات المتشابكة هو في الجمع بين الالتزام بالمعايير والقيم والتقاليد الاسلامية وبين قبول التغيير في حياتنا المعاصرة من خلال الانتماء الي الحرية والديمقراطية كأساس لاي نهضة اسلامية من منطلق ان المسلمين يعيشون يوما آخر مختلفا.

كما تطرق خاتمي الي دور الازهر الشريف في انه مركز من مراكز الفكر والثقافة حيث لعب دورا مهما في التقريب بين المذاهب الاسلامية في اشارة الي دور شيخ الازهر الاسبق الشيخ محمود شلتوت في هذا الامر.

ودعا خاتمي الي الابداع والتميز الذي يجب ان يمارس وفق اسس ومعايير سليمة محذرا في ذات الوقت مما يسمي الاسلامفوبيا او الخوف من الاسلام الذي يرسخ له الاخر من خلال وصمه بالعنف والارهاب والتطرف والترويج لتلك المفاهيم المغلوطة عن الاسلام وذلك بهدف السيطرة علي المسلمين.

من جانبه قال الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الازهر ان خاتمي حل علي الازهر ضيفا كريما ومفكرا كبيرا نكن له كل تقدير واحترام لانه رجل هداه الله الي الطيب من القول ومنحه فكرا سليما وعقلا راجحا وقدم فكره وعلمه خالصا لوجه الله لكي ينتفع به المسلمون.

وتطرق الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الازهر الي خاتمي المفكر الاسلامي الذي جمع بين العلم والفكر وبين السياسة في مشروع صعب اعتمد فيه علي اخلاقيات القرآن الكريم واستلهام التراث الاسلامي ولفت انظار العالم بكتابه علي سبيل المثال خطابا اسلاميا اصلاحيا معاصرا.. في تأصيل فكري جعل العالم ينظر الي رحابة الاسلام.

وقد قدم الدكتور الطيب هدية تذكارية من جامعة الازهر للرئيس خاتمي وفي طريقه الي الخروج من الجامعة اصطف المئات من طلاب الازهر من مختلف الجنسيات لتحية الضيف الذي بادلهم التحية والسلام واضطر للبقاء بضع دقائق قبل الخروج لتحيتهم.

ليخرج خاتمي في جولة زار فيها مسجد الحسين ومسجد السيدة زينب ومساجد الحاكم بأمر الله والاقمر وغيرها من مساجد القاهرة الفاطمية التي استقبلت خاتمي في أبهي حلة.

ثم كان اللقاء الاخير بنخبة من المثقفين والمفكرين والاعلاميين المصريين الذين التقوا خاتمي علي غداء بدعوة من الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في منزله الريفي.

ولاشك ان الكثير من الملفات والتساؤلات وعلامات الاستفهام التي كانت تنتظر خاتمي في القاهرة ليس باعتباره الرئيس السابق لايران فحسب بل لانه ايضا المفكر والاصلاحي والمستنير الذي يريد ان يستمع اليه المصريون فعن العلاقات المصرية الايرانية قال: انه لا يجب ان ننتظر عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لنتحرك وانما يجب ان نتحرك في كل الاتجاهات في مجال البحث العلمي والثقافي والمجالات الاجتماعية واوضح انه تحدث مع الرئيس مبارك عن العلاقات الثنائية والوضع الاقليمي والدور الذي يمكن ان يلعبه كل من البلدين في مواجهة التحديات الكبري والازمات التي تعاني منها المنطقة والتي تحركها ايد خفية غير نظيفة تحرك الفتنة في المنطقة وتثير النزاعات وتخرب العلاقات بين مصر وايران

واضاف انه في لقائه مع الرئيس مبارك شرح له كيف ان الجميع في ايران يحبون مصر ويتمنون عودة العلاقات الكاملة وفي اشارة واضحة الي ان الشعبين يريدون عودة العلاقات.

وحول الملف النووي الايراني والتوتر المشحون بين ايران ودول الجوار قال خاتمي: ان المشروع النووي الايراني بدأ في عهدي وهدفنا في الاساس اننا بحاجة الي الطاقة النووية لان العالم كله يتجه الي الطاقة البديلة ونحن نستثمر مبالغ ضخمة جدا في هذا المجال وهناك صراع شديد في الغرب باتجاه هذه الطاقة فلماذا لا يكون هذا الخيار لنا.

فعلينا ان نحصل علي الطاقة النووية للاغراض السلمية وتشغيل المنشآت ونحن لدينا الامكانيات والكوادر الفعالة فلماذا لا يحق لنا ان نحقق هذا الهدف ثانيا ان ايران ليس في عقيدتها السياسية ان تتجه نحو التسلح النووي وقلت لهم انا الذي بدأت مشروع الطاقة النووية في ايران فهل تعتقدون ان الرئيس خاتمي يريد ان يصنع قنبلة نووية ، اذا كان بوش صاحب هذا المشروع... نعم سيصنع هو القنبلة النووية وساعتها سيكون القلق مشروعا.

الامر الاخر ان ايران عضو في معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية وهي تعطينا الحق في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

كما ان هؤلاء القلقين من الطاقة النووية الايرانية عليهم ان يتوجهوا للذين يملكون القنبلة النووية وهم الخطر الحقيقي في هذه المنطقة فلماذا يضغطون علي ايران رغم ان مشروعها النووي لم يكتمل حتي الان في حين ان اسرائيل تمتلك 200 قنبلة نووية علي الاقل بعد الدول العظمي وهي اكبر ترسانة سلاح نووي في المنطقة.

وقد اقترحت في الأمم المتحدة بأن تكون منطقة الشرق الاوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل لا ايران ولا اي دولة اخري ونحن لن نتراجع في ايران عن هذا الحق القانوني المكفول لنا وهذا لن يتأتي الا عن طريق الحوار والمفاوضات وليس عن طريق مجلس الامن او غيره.

وحول اسباب التصعيد باتجاه الازمة النووية الايرانية سواء اكان تبلور المشروع النووي في صورة متكاملة او لغة الخطاب الايراني نفسه قال خاتمي:

ايران سواء في عهد رئاستي او في الوقت الراهن كانت ولا تزال مستعدة للحوار واعلنت ان الحوار محتاج الي حسن نية وليس الي شروط مسبقة كما انه اذا وصلت الامور الي ازمة ساخنة سوف تتأثر المنطقة بأكملها لاننا نعيش الان ازمة ساخنة في افغانستان واخري في العراق وثالثة في لبنان ورابعة في فلسطين فالشرق الاوسط لا يتحمل مزيدا من سكب الزيت علي النار لذلك علينا جميعا ان نعمل علي نزع فتيل الأزمة وان نتجه الي العقل والتدبر اما الخطابات المتشددة والشعارات الساخنة فهي تأتي من الامريكيين والاسرائيليين اشد تطرفا من ايران.

واعتقد ان المشكلة الحقيقية ليست في الخطاب ولكن في الارادة السياسية الامريكية باتجاه ايران ولكن كلي امل ان الرأي العام العالمي والعقلاء في هذا العالم عليهم العمل علي ايجاد حوار عقلاني حكيم فانا لا اميل الي الخطاب المتشدد وكان خطابي دائما معتدلا حتي مع الرأي العام الامريكي كانت لي حوارات معهم وأثرت فيهم كثيرا.

وأعتقد ان الخطاب المنطقي والحكيم والحوار افضل من الخطاب المتشدد سواء من جانب ايران او من الاخرين ولكن من المؤكد ان الخطاب الامريكي اكثر تشددا .

وحول ما يوجه لايران بانها عنصر مشترك في بؤر الصراع في العراق ولبنان وفلسطين قال خاتمي: ما يقال يؤكد اهمية ايران وان ايران كان ولا يزال لها دور تاريخي كان دائما محط انظار العالم ولهذا السبب يجب ان يطمئن الجميع انهم بدون ايران لا حل للمشاكل الحساسة للمنطقة وهذا لا يعني ان ايران تتدخل في المنطقة او تتأمر فهذا ليس صحيحاً وما يطرح الآن من فتنة فان هناك فتنة مفتعلة بين السنة والشيعة فإيران لن تدعو الي دولة شيعية في العراق ولا في غيرها والحقيقة يحب ان يكون العراق موحدا يشترك فيه كل الطوائف وتأخذ حقها الطبيعي في التعددية والديمقراطية ايران لديها نفوذ كبير تستطيع ان تساهم في دفع النزاعات للخلف ولكنها لا تريد ان تتدخل في الشئون الداخلية لجوارها .

واقول ان الامن والاستقرار في العراق والوحدة بها من يستفيد منه هو دول الجوار ونحن ايران في طليعتها... فنحن نريد الامن والاستقرار ومستعدون لتقديم كل ما يرفع هذا الخلل.

ب وعن ما يتردد من مخاوف عربية بوجود رغبة ايرانية في استعادة التوسعات الفارسية مرة اخري.

- قال خاتمي: هذا التوسع الفارسي المزعوم الذي يدعي بأن ايران لديها سياسة توسعية فلم اقرأ ولم ار بعد الصفوية بثلاثمائة عام ليس هناك أي كتاب واحدي يشير الي ان ايران اعتدت علي احد جارتها بل كانت دائماً محل اعتداء الاخرين عليها وكانت في حالة دفاع عن نفسها واخر ما جربناه اعتداء العراق علي ايران في ظل نظامها الغائب.

وهذا التصوير عن ان هناك غولاً فارسياً يسعي في المنطقة لبسط نفوذه ، سببه الاستعمار والامريكان هم الذين يروجون لهذا.

وقد استطعت خلال رئاستي ان انزع التوتر مع دول الجوار مع العربية السعودية مثلا.

ثانيا: لا اؤمن بان هناك خطرا ايرانيا شيعيا ايضاً في كل العالم الاسلامي هم اقلية... ولا اعتقد ان هذه الاقلية تستطيع ان تفعل ذلك.

وفي هذا السياق فان الديمقراطية هي الخيار الوحيد في المنطقة فهي تتماشي مع حضارتنا وتاريخنا وهويتنا الثقافية والحضارية.

وفي الخمسين سنة الماضية كل الاخطار التي وجهت لهذه المنطقة كانت تأتي من الخارج ومن العدو الاجنبي وليس من الداخل.

وللأسف الشديد هم يحاولون نشر العداء داخلنا من اجل الحصول علي ثرواتنا ومقدراتنا يجب ان نخرج هذه الاوهام من عقولنا وان الشرق الاوسط الكبير من قناة السويس الي مضيق هرمز منطقة استراتيجية كبيرة يجب ان تكون بيد اهلها و اهلها يسعون نحو التضامن والوحدة.

كما ان تواجد الامريكيين والاحتلال هو الذي يسبب التطرف والعنف والارهاب علي الامريكيين ان يفقهوا ويقولوا للعالم انه لا حل الا من خلال التعاون مع دول الجوار من خلال ارساء الديمقراطية في العراق وان مشكلتنا الحقيقية في الجوهر ليست من الداخل بل من الخارج.

وحول فكرة الصراع الطائفي بين السنة والشيعة في العراق قال خاتمي: ان المسألة السنية الشيعية أو القومية ليس مسألة جدية في تاريخنا وانها اداة في يد الاخرين وايضاً الكثير من المشكلات الموجودة في العراق السبب في استمرارها هو الاحتلال. وعلينا ان نقوي ونساعد الحكومة العراقية الجديدة حتي يأخذوا امنهم واستقرارهم بأيديهم.

وحول تداول السلطة والتجربة الديمقراطية في ايران قال خاتمي:

ان بلدان مثل ايران ومصر استقرار الديمقراطية فيها ليس له تاريخ طويل.. ومن الطبيعي حتي تتحول هذه التجربة الي مؤسسة وثقافة عامة ويصبح تداول السلطة ديمقراطياً امراً شائعا يحتاج الي وقت كبير... لكن هذا يجب الا يعوقنا عن الاستمرار ومزيد من السعي والمحاولات.

ونحن نستطيع ان نحول الديمقراطية الشعبية الي ديمقراطية مؤسسه وهذا ما يجري في ايران ، والديمقراطية تحتاج الي الصبر والتحمل حتي تعطي الحق للشعب ليحدد مصيره بنفسه.

فالمنهج الذي يجب ننتهجه في هذا العصر هو الديمقراطية رغم ان بها عيوب فهذا موضوع اخر .. المهم ان نري ان المجتمع يسير في اتجاه الديمقراطية وليس في طريق اخر، فالشعوب عانت من الاستبداد والتبعية للأجانب.