سام داجر - كريستيان ساينس مونيتور


بعد غزو العراق كان أعضاء حزب quot;البعثquot; يُنظر إليهم من قبل الأميركيين كمنبوذين مازالوا يدينون بالولاء لصدام حسين، ولا يمكن بالتالي الوثوق بهم. وهكذا تم تطهير العديد من الوزارات الحكومية والجيش والعراقي من أعضاء حزب quot;البعثquot; من خلال برنامج مكثف لاجتثاثهم أطلقه الحاكم الأميركي وقتها quot;بول بريمرquot;، ليُستكمل على نحو سيئ للغاية من قبل النخبة السياسية الشيعية لخدمة مصالحها الخاصة. واليوم يسعى الأميركيون إلى قلب الأوضاع ورفع الضرر الذي وقع على شريحة عراقية واسعة جراء سياسة quot;اجتثاث البعثquot; المتبعة. فحسب المحللين، ومن بينهم أميركيون، تسببت عملية ملاحقة quot;البعثيينquot; وطردهم من المؤسسات الحكومية، فضلاً عن تفكيك الجيش السابق في نشوء استقطاب حاد داخل المجتمع العراقي أدى إلى تغذية التمرد السُّني ضد الأميركيين. لذا أصبحت مهمة إعادة إدماج أعضاء من حزب quot;البعثquot; السابق في العملية السياسية بهدف إضعاف شوكة التمرد إحدى أولويات واشنطن الكبرى وحجر الزاوية في استراتيجيتها الجديدة.
والواقع أن رغبة الولايات المتحدة في تغيير مسار عملية اجتثاث quot;البعثquot; وصلت إلى مستوى دفع بالإدارة الأميركية، حسب مصدر مطلع، إلى استدعاء نائب الرئيس العراقي عادل عبدالمهدي إلى واشنطن أواسط شهر مارس الماضي لمناقشة الموضوع. وعقب رجوعه إلى بغداد، يقول المصدر، اجتمع نائب الرئيس مع السفير الأميركي زلماي خليلزاد لصياغة مشروع قانون يروم إصلاح السياسات المناهضة لحزب quot;البعثquot;. وقد مارس quot;خليلزادquot; قبل مغادرته للعراق ضغوطاً كبيرة لإقرار مشروع القانون، حيث حاول إقناع الرئيس العراقي جلال طالباني، ورئيس الحكومة نوري المالكي بالموافقة على القانون قبل انعقاد القمة العربية في السعودية كإشارة حسن نية لسُنة العراق، ولبعض دول الجوار التي تنتقد الحكومة الشيعية بسبب إقصائها لأبناء مذهبهم من السُّنة. وقال المصدر المقرب إن رئيس الحكومة العراقية quot;كان يتميز من الغيظ بسبب الضغوط التي تمارسها واشنطن، وتحول موضوع إدماج البعث إلى أداة يوظفها البيت الأبيض لإقناع الكونجرس بالموافقة على تمويل الحربquot;.
ويضيف المصدر أن عزاء المالكي الوحيد هو استبعاد موافقة حلفائه في البرلمان، الذين يضمون أتباع رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر، على مشروع إصلاح قانون quot;اجتثاث البعثquot;. ومازالت واشنطن رغم ضغوطها على النخبة السياسية العراقية لإقرار الإصلاحات تواجه صعوبات في هذا المجال. والأكثر من ذلك يقول بعض المسؤولين العراقيين إن البرلمان العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة قرر سلفاً التخفيف من حدة مشروع قانون quot;إصلاح اجتثاث البعثquot; بعدما رفعه إليه في الشهر الماضي كل من جلال طالباني ونوري المالكي بهدف إفراغه من مضمونه. ويرى البعض الآخر أنه حتى لو وافق البرلمان على تمرير قانون quot;الإصلاحquot; كما هو دون إدخال تعديلات، فإنه من غير المرجح أن يؤثر على عملية المصالحة التي تسعى إلى تكريسها الإدارة الأميركية لأن الوقت متأخر جداً. وفي هذا السياق يقول محمود عثمان، وهو برلماني كردي مقرب من الرئيس طالباني: quot;يبدو أن الوقت متأخر بعدما تعقدت الأمور، فحتى بعد إعدام صدام حسين هناك من أصبح أكثر تشدداً ويرفض رفضاً تاماً عودة البعثيينquot;.
وفي زيارته الأخيرة إلى العراق حث وزير الدفاع الأميركي quot;روبرت جيتسquot; نوري المالكي أثناء اجتماعه به يوم الجمعة الماضي على ضرورة إقرار البرلمان العراقي مجموعة من القوانين بما فيها قانون quot;إصلاح اجتثاث البعثquot; قبل الإجازة الصيفية. ويؤكد هذا التوجه الأميركي الساعي إلى إقرار قانون جديد لإعادة إدماج quot;البعثيينquot; في السلطة السفير الأميركي الجديد في بغداد quot;رايان كروكرquot; الذي قال quot;لقد كان واضحاً منذ البداية أن إحدى أهم الأولويات سواء بالنسبة للعراق، أو الولايات المتحدة، هي الشروع في عملية المصالحة الوطنية التي من شأنها أن تجمع العراقيين كافة ضمن بلد واحد يسعى إلى تحقيق أهداف مشتركةquot;، مضيفاً quot;وأرى أن quot;إصلاح قانون اجتثاث البعث يندرج في هذا الإطار، وعلينا أن ندفع به إلى الأمامquot;. وبموجب مشروع القانون الجديد المعروض على البرلمان والذي حصلت صحيفة quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; على نسخة إنجليزية منه، سيُسمح لـquot;بعثيينquot; سابقين من الذين لم يتورطوا في ارتكاب جرائم بالحصول على معاشات. كما تتيح لهؤلاء الذين عملوا مع النظام السابق في الأجهزة الأمنية فرصة الانضمام إلى الشرطة، أو الجيش، أو الحصول على معاشات من الدولة.
ويسعى مشروع القانون أيضاً إلى تحجيم دور لجنة quot;اجتثاث البعثquot; التابعة للحكومة العراقية من خلال إعطاء صلاحيات أكبر لقضاة مستقلين للنظر في القضايا المعروضة عليهم، وإنهاء عمل اللجنة كلية في ظرف ستة أشهر. هذا المسعى يعارضه بشدة المدير التنفيذي للجنة quot;علي اللاميquot; الذي يعتبر أن بعض عناصر القانون المقترح quot;مخالفة للدستورquot; العراقي مثل البند الذي ينص على حل اللجنة وإقرار قانون لا تتجاوز مدته ثلاثة أشهر للبت في التهم الموجهة لـquot;بعثيينquot; سابقين. وفي لقاء أجري معه في مكتبه ببغداد صرح quot;علي اللاميquot; بأن عمل لجنته ينصب في الوقت الحاضر على دراسة مصير 21500 بعثي سابق من بين 12 مليون بعثي عراقي يتراوحون ما بين متعاطف وعضو نشط، لذا يتعين استمرار اللجنة في العمل لضمان إبعاد الأساليب الشمولية لـquot;البعثquot; من أجهزة الدولة، مؤكداً أن quot;عدو العراق الأول هو البعث وليس القاعدةquot;. ويعيب المدير التنفيذي لـquot;لجنة اجتثاث البعثquot; على السياسيين العراقيين ربطهم للمصالحة الوطنية مع عمل اللجنة، مذكراً كتلة الائتلاف العراقي الموحد في البرلمان، الذي ينتمي إليه نوري المالكي، أنه ما كان بمقدورها اكتساح البرلمان لو لم تستند إلى برنامج مناهض لحزب quot;البعثquot;.
ومع ذلك يعترف quot;علي اللاميquot; بأن لجنته تظل عاجزة عن مواجهة القوى المحلية في المحافظات البعيدة التي تأبى اتباع سياسات متوازنة إزاء عملية اجتثاث البعث وترفض إعادة موظفين بعثيين ممن لم يثبت تورطهم في جرائم إلى وظائفهم السابقة.