د. عصام سليمان
الأزمة السياسية في لبنان آخذة بالتجذر، بسبب غياب الحلول الناجعة بفعل تشابك العوامل المكونة لها، ونتيجة إصرار كل فريق على تحقيق مكاسب على حساب الفريق الآخر، وإظهارها كأنها مكاسب للوطن. فالتهدئة التي ظهرت في خطاب السياسيين وفي الاعلام على أثر اغتيال زياد قبلان وزياد غندور، نتيجة الشعور بالاقتراب من الخط الأحمر الذي رسمته الأطراف المتصارعة لنفسها، وخطورة الانجرار إلى ردود فعل تقود البلاد إلى حرب أهلية لا يرغب أحد بحدوثها، هذه التهدئة سرعان ما تبدد فعلها، وعادت الأمور لتدخل من جديد في إطار التصعيد وتجاذبات السياسيين، والشاهد على ذلك عودة نواب الفريقين المتصارعين إلى الذهاب إلى المجلس النيابي، المنقطع عن عقد الجلسات، لاستخدامه منبراً للتهجم والمزايدة وإثارة العصبيات، وتسجيل النقاط، في مناظرات ملها الرأي العام.
تصاعد وتيرة الأزمة السياسية، لم يوفر شيئاً، حتى المفاهيم السياسية التي ترتبط بها الثوابت الوطنية، فكل فريق يفسر هذه المفاهيم وفق مصلحته الآنية، ويستخدمها سلاحاً في صراعه مع الآخر، وهذا أمر خطير جداً، فإذا غدا الخلاف خلافاً على المفاهيم المرتبطة بالثوابت الوطنية، يصبح من المتعذر التفاهم على حلول، ويغدو الحوار، إذا ما جرى، حوار طرشان. أبرز المفاهيم التي طالتها الأزمة مفهوم الوفاق الوطني والمشاركة في السلطة، ومفهوم الوفاق والمشاركة تعرض للتشويه منذ مطلع التسعينات، بعد اعتماد اتفاق الطائف أساساً للنظام السياسي اللبناني، فقد اعتبر الوفاق والمشاركة وسيلة لتوزيع مغانم السلطة بين قادة الطوائف الأساسية الذين يحتلون المراكز الأساسية في الدولة، فتحولت المشاركة إلى محاصصة، في ظل الهيمنة السورية على مقدرات الحكم، ما أفسح المجال أمام هدر المال العام والفساد، وأخلّ بالتوازنات السياسية، واخرج الحكم عن المسار الصحيح الذي كان ينبغي أن يسير فيه، في اطار المفهوم الصحيح للوفاق والمشاركة، الذي يتلخص بالتوافق على المبادئ والقواعد الأساسية التي تحكم أداء المؤسسات الدستورية، والسياسات العامة، وهذا ما جرى التوافق عليه فعلاً في اتفاق الطائف، وتضمنه الدستور المعدل في ضوء هذا الاتفاق، ولكن للأسف الشديد التفسيرات المختلفة للوفاق، تسببت في تعطيل المؤسسات الدستورية والدستور نفسه الذي أدخل في دائرة التجاذبات السياسية.
أما المشاركة، فتعني مشاركة القوى السياسية، وبالتالي مشاركة الطوائف في تسيير شؤون الحكم في اطار المؤسسات الدستورية وتحديداً في مجلس النواب ومجلس الوزراء، وذلك من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار والنمو وتوفير العيش الكريم للمواطنين على كافة انتماءاتهم، لذلك شكلت المحاصصة نقيضاً للمشاركة.
واليوم يجري الإمعان في تشويه مفهوم الوفاق المشاركة، بسبب الخلاف، على الحكومة والمحكمة ذات الطابع الدولي، التي أقحمت في الخلافات الداخلية، فجرى تفسير المادة 95 من الدستور التي تنص على تمثيل الطوائف في الحكومة بشكل عادل، وتفسير الفقرة في مقدمة الدستور التي تنص على أن ldquo;لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، في خلفيات محض طائفية ومذهبية، وجرى الاجتهاد على نطاق واسع لتفسير النصين بما يخدم التوجهات السياسية الطائفية والمذهبية، ومن غرائب الأمور أن نفس الجهة السياسية تفسر نفس النص بأشكال متناقضة مع بعضها، وفقاً للظروف والطروحات والأهداف المرجوة، فعدم وجود ممثلين عن طائفة معينة في الحكومة لا يتسبب بانتهاك الوفاق والمشاركة بينما طرح انتخاب رئيس جمهورية من الشعب يتسبب بانتهاك الوفاق والمشاركة، بسبب الخلل الديموغرافي بين المسيحيين والمسلمين، والاتفاق على مبدأ المناصفة في توزيع المقاعد النيابية وتشكيل الحكومة من دون أخذ العددية بالاعتبار، ومن ناحية ثانية يرى الفريق الآخر أن حقه بالمشاركة يخوله الخروج من الحكومة ساعة يشاء وإسقاطها، ونقض كل قرار لا يوافق عليه، وشل الحكومة.
إن الاختلاف على المفاهيم الأساسية يضرب المنطق الذي قامت عليه الصيغة اللبنانية في الصميم، ويعرقل الوصول إلى حلول، فالمطلوب العودة إلى منطق الوفاق والمشاركة، الذي يرتبط بغاية شريفة، وهي إدارة الشأن العام بما يحصن الوحدة الوطنية، ويحقق الاستقرار والازدهار والعيش الكريم، ومن المؤسف القول إن الرهان بات على انفراجات في الخارج تؤثر ايجاباً في الوضع الداخلي اللبناني.
التعليقات