عبدالرحمن الراشد

غادر العراق اثنان التصقت بكل واحد منهما تهمة التطرف والتورط أيضا. من الشيعة السيد مقتدى الصدر الذي يعيش الآن في ايران ومن السنة الشيخ حارث الضاري الذي يسكن في العاصمة الاردنية، مما اعطى الانطباع بان العراق صار ضيقا حتى على الرافضين. اضافة الى غيابهما لوحقت مصالحهما المحلية مثل فرق الموت المحسوبة على ميلشيات التيار الصدري، ووضعت مراكز أمنية لمراقبة مناطقهما، وأخرج وزراؤهما من الحكومة، كما ضيق على المنتسبين لهيئة علماء المسلمين المحسوبة على الشيخ الضاري وخرج معه الى الأردن آخرون من نفس التيار السني الذي يراه البعض متطرفا ايضا.

ربما أرادت حكومة المالكي ان تثبت انها سارت خطوات لا بأس بها في اثبات حسن النية بتقليم اظافر المتطرفين على الجانبين لكنها تخطئ بالسماح بملاحقة التيار السني المعتدل الذي يمثله عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق البرلمانية، وهو تجمع سني معتدل. فهذا الرجل يمثل قلة شجاعة دخلت الانتخابات رغم التهديدات التي عمت الشارع السني العراقي حينها، وكان عامل وحدة اساسية للعراق بمشاركته وزملائه. فهم أفشلوا خطة المعارضة المحسوبة على السنة التي ارادت ان تثبت ان لا شرعية للانتخابات بمقاطعتها بشكل كامل. وخلال الفترة التي اعقبت الانتخابات مرت ايام صعبة عاش فيها المعتدلون حياة خطرة في المنتصف بين ارهاب المتطرفين الشيعة والمتطرفين السنة الذين اتفقوا على استهداف رموز المعتدلين السنة في البرلمان والحكومة مثل الدليمي وطارق الهاشمي.

وإذا كانت الحكومة الحالية لا تقدر طبيعة التضحيات التي يقدمها شخص مثل الدليمي الذي لا يمكن ان يقارن بنظرائه من زعماء الشيعة فهي ترتكب خطأ كبيرا. بدون الدليمي وأمثاله يصبح النظام طائفيا، وبدون حمايته من الاساءات التي تمارس ضده في البرلمان والمخاطر في الشارع، تخسر الحكومة العراقية أهم حليف لها. ان رئيس الوزراء يحتاج لا الى مقاومة التكفيريين وبقية مجرمي السنة والشيعة فقط بل الى كسب السنة الى جانبه، خاصة انه اعلن ان المصالحة الوطنية هدفه الأول. وإذا كان النائب الأعرجي يلاحق زميله الدليمي مدعيا انه داعم للارهاب فان السؤال المنطقي هنا لماذا يحتاج الدليمي الى ذلك، كل ما عليه ان يستقيل حتى يصبح وضع النظام سيئا في داخل العراق والمنطقة برمتها، وهذا سلاح اخطر من تقديم حفنة من الاسلحة او ايواء ارهابيين. فهي ادعاءات سخيفة وكيدية.

لقد مرت ثلاث سنوات كافية لتجريب كل الحلول المحتملة، من رفع السلاح الى مد اليد، واتضح للجميع ان العراق يحتاج الى التصالح، والتصالح يتطلب الثقة في النظام، ومنح الثقة يستحيل في ظل ملاحقة المعتدلين. ونحن نقول ان من صالح السنة، قبل الشيعة، ان تكون هناك حكومة مركزية قوية لأنهم ضحية الفوضى والعنف بلا بدائل أخرى. ومن صالح الشيعة ان يكونوا في بلد متجانس مستقر كبير لا مقسم متناحر خمسين سنة أخرى. ومهما كان رأي الرافضين على الجانبين، مثل الشيخ حارث والسيد مقتدى، فان من صالح العراقيين ان يجربوا العيش بأقل قدر من الرفض والتحريض وإعطاء العراق فرصة للتنفس وملاحقة حملة السلاح على الجانبين. ان الرافضين للوضع القائم لم يقدموا ابدا بديلا عمليا، فكل همهم اسقاط الوضع القائم فقط.

[email protected]