غادي طاؤوب ـ معاريف

تستطيع إسرائيل الآن الدخول إلى القطاع والخروج منه، وتكرار ذلك. لكن لا تستطيع إسرائيل حل المشكلة الرئيسية: غياب دولة في الطرف الفلسطيني. مقابل دولة، حتى لو كانت معادية، يمكن لك أن تدير سياسة. أما مقابل فوضى مجموعات من العصابات المسلحة، فلا يمكن إدارة شيء. لا يوجد ردع، ولا جزاء، سلبياً كان أم ايجابياً، بإمكانه منع العنف. هذه هي جريمة عرفات ضد شعبه: فهو من أوجد هذه الفوضى بدل استغلال سنوات أوسلو لخلق مؤسسات يمكن لها أن تتحول إلى دولة. في مثل هذا الوضع، كل فصيل يحاول تثبيت السلطة في يديه يصطدم بمصالح الآخرين في اسقاطه.
في مثل هذا الوضع، حتى لو كنا قادرين على التوصل إلى اتفاق مع كل هذه العصابات، كانت ستبرز في النهاية مجموعة لديها مصلحة في تحُسن موقعها عن طريق مهاجمة إسرائيل. فكل مجموعة قادرة على وضع يدها على صاروخ قسام ستقول إنها تعمل ضد الاحتلال. لكنها كلها تعمل لصالح الاحتلال. فهي تعمل لتخليد الحرب مع إسرائيل التي تُثبت موقعها في داخل غزة، وهي تعمل ضد كل امكانية لحصول تسوية تُخرج إسرائيل من الضفة الغربية. وهي تعمل لتعزيز الدرس الذي لقننا إياه حزب الله: الأمل في أن يساعد الانسحاب من جانب واحد على تقسيم البلاد ينهار أمام الفوضى على الجانب الثاني من الحدود.
لكن حرب لبنان علمتنا أيضا ما يمكنه أن يكون الحل: قوة دولية. ومع أن القوة الدولية في لبنان ليست قوية بشكل كاف، لكنها مع ذلك تشير إلى الطريق. فثمة مصلحة للمجتمع الدولي في حل النزاع. كما أنه ثمة مصلحة كهذه أيضا للجامعة العربية. فالإسلام المتطرف يهدد الانظمة العربية أكثر مما يهدد اسرائيل. هذه مسألة وجود بالنسبة لبعضهم. ومن الجائز الافتراض أن القوة الدولية التي تمنح مكانا رئيسيا للدول العربية، أو حتى قوة تتولى هذه الدول قيادتها تحت مظلة مشتركة مع الأمم المتحدة، ستكون مقبولة أكثر من قبل الفلسطينيين. وبما ان الفلسطينيين فشلوا فشلاً ذريعاً في ايجاد دولة، لا يوجد من خيار سوى فعل ما فعلته الأمم المتحدة في فلسطين: انتداب دولي يساعد في اقامة دولة وراء حدود اسرائيل. تقسيم البلاد على طول حدود 1967 هو الحل المقبول من غالبية الفلسطينيين، من غالبية الإسرائيليين، ومن قبل سائر العالم. ولا يُعقل أن تقوم بعض المجموعات من المتطرفين بقطع الطريق أمام هذا الحل.
وبغية قيام القوة الدولية بالتعاون مع الجامعة العربية بتحمل هذه المهمة، وكي تكون فعالة، يتعين على إسرائيل في المقابل الدخول في مفاوضات بخصوص مبادرة السلام التي طرحتها الجامعة العربية. أما فرض الحل على المتطرفين في الجانب الفلسطيني فيجب أن يتم كجزء من الحل الشامل، الذي سيشكل ترسيخه مصلحة جلية لغالبية الأنظمة العربية، غالبية الأسرة الدولية، وبالطبع لنا ولغالبية الفلسطينيين.
صواريخ القسام تنجح في سفك دمنا، لكنها لا تُعرض للخطر أصل وجودنا. في مقابل ذلك، الدولة ثنائية القومية التي ستقوم هنا، في حال بقينا في الضفة الغربية، هي التي تعرض فعلا وجودنا للخطر. وكذلك هو الأمر بالنسبة لتعزز قوة الاسلام المتطرف (على رأسه ايران) في المنطقة كلها. وثمة فرصة الآن امام إسرائيل لمعالجة المشكلة الفلسطينية من الجذور، وفي الوقت ذاته توحيد القوى المعارضة للأصولية في منطقتنا. فالرزمة السياسية التي تشمل خطة سلام شاملة ووضع غزة والضفة تحت تصرف قوة دولية، لن تؤدي إلى حل قسم من مشاكلنا فحسب، بل ستساعد أيضا القوة المؤيدة للسلام والتسوية ضد القوى التي تؤيد الفوضى والحرب في الشرق الأوسط كله.


ترجمة: عباس اسماعيل