د. أحمد جميل عزم

تؤكد شدة الصدامات الجارية في لبنان بين تنظيم quot;فتح الإسلامquot; وquot;الجيش اللبنانيquot; مدى القوة التي استطاعت quot;فتح الإسلامquot; مراكمتها في فترة قصيرة نسبياً. وإذا ما تم ربط ذلك بحقيقة وجود مجموعات متعددة في لبنان قريبة من فكر تنظيم quot;القاعدةquot;، وقد تكون على صلة فعلية بهذا التنظيم، فإن ذلك ينذر بأن ظاهرة quot;فتح الإسلامquot; قد لا تنتهي سريعاً، وأنّه حتى إن تم القضاء على التنظيم، فإن مجموعات تابعة له، أو تشاطره التوجهات الفكرية ولها ارتباطات فكرية أو تنظيمية مع مجموعات quot;القاعدةquot;، قد تنشط سريعاً، وسيكون أحد أسوأ السيناريوهات هو اتحاد هذه المجموعات مع بعضها بعضاً، لتشكل تنظيم quot;القاعدةquot; في لبنان، واستهداف الجيش اللبناني، والشيعة، والمسيحيين.
وهناك أسماء عدة متداولة مرشحة لتكون جزءاً من هذا السيناريو، فمنذ التسعينيات، كما هو معروف، تنشط مجموعات ما يعرف باسم quot;عصبة الأنصارquot;، والمجموعة المنشقة عنها quot;عصبة النورquot; وكلاهما نشط في مخيم عين الحلوة بشكل خاص، واستطاعا تحقيق وجود قوي، يجعل المراقبين يقولون إنّ في المخيم نوعاً من التوازن بين حركة quot;فتحquot; وبينهما، والعلاقة بين العصبتين تتميز بقدر من القرب والتنسيق، وقد اصطدمتا، في عدة مناسبات، مع كل من حركة quot;فتحquot; والجيش اللبناني، وذاك لأسباب منها احتضانهما مجموعات أو أشخاصاً مطلوبين للقضاء اللبناني. ومن المعروف أنّ قائد quot;عصبة الأنصارquot;، المطلوب للأمن اللبناني، أحمد عبدالكريم السعدي quot;أبو محجنquot;، انتقل إلى العراق قبل نحو عامين. ويشيع في المخيم، أنّ هناك عشرات من أبناء المخيم موجودون في العراق للقتال، وأن منهم من نفذ عمليات انتحارية. وهناك تقارير صحافية أنّ تنظيماً اسمه quot;جند الشامquot; تشكل من العائدين من أفغانستان، بعد عام 2001، حيث كانوا يعملون مع أبو مصعب الزرقاوي، الذي توجه للعراق، مع إشارات إلى أنّ العلاقة مع quot;عصبة النورquot;، ربما تكون وصلت مرحلة الاندماج.
كذلك فإن احتمالات الاتصال مع quot;القاعدةquot; في quot;أوروباquot;، ممكنة، وينقل الصحافي البريطاني، روبرت فيسك، أن اثنين من قتلى quot;جيش الإسلامquot;، في صدامات طرابلس، في وقت سابق، هم لبنانيان من منطقة سهل عكّار، اعتقل شقيقهما في ألمانيا العام الماضي، بتهمة الإعداد لتفجير السكك الحديدية للقطارات.
وهناك مؤشرات على نشاطات الجماعات الأصولية المسلحة الأخرى في مخيم quot;نهر الباردquot;، فمثلاً أعلن في يناير 2006 اعتقال الأمن اللبناني خمسة أشخاص ينتمون إلى جماعة laquo;عصبة الأنصارraquo;، وهم ثلاثة فلسطينيين ولبناني وسوري، لدى إبحارهم في زورق من شاطئ مخيم quot;نهر الباردquot;، حيث جرت مطاردتهم واعتقالهم.
وبغض النظر عن الملابسات المختلطة، فإن الأكيد أن مجموعات متعددة قريبة فكرياً على الأقل من تنظيم quot;القاعدةquot;، تنشط في لبنان، وتحديداً في مخيمات اللاجئين وحولها، دون أن يكونوا بالضرورة فلسطينيين. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التداعيات المتوقعة للصدامات الحالية في لبنان، وتم الأخذ بالاعتبار في الآونة الأخيرة نشاط تنظيم quot;القاعدةquot; عالمياً لضم مجموعات وتنظيمات متناثرة له، رسمياً، والمثل الأبرز هو ضم التنظيمات السلفية المقاتلة في دول المغرب العربي، لتشكيل ما سمي مطلع هذا العام باسم quot;تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميquot;، وقبل ذلك إعلان أيمن الظواهري في شهر أغسطس 2006، أن بعض زعماء الجماعة الإسلامية في مصر انضموا إلى quot;القاعدةquot;. وإذا ما أخذنا بالاعتبار وجود بوادر ظاهرة quot;العائدين من العراقquot;، أي خروج أشخاص من العراق لبلدان أخرى للقتال، كل هذا يعطي الانطباع بأن سيناريو تشكل جبهة موحدة لـquot;القاعدةquot; في لبنان، أمر غير مستبعد، حتى وإن كانت هذه الجبهة ذات طابع مختلف نسبياً عن تنظيمات أخرى لـquot;القاعدةquot;، ولكن لبنان بقربه من فلسطين، وبالوجود الشيعي والمسيحي، فيه يشكل مكاناً يمكن لـquot;القاعدةquot; أن تجد فيه الكثير من الأهداف السهلة لممارسة العنف، وفق تبريراتها الخاصة. ومما يعزز هذا السيناريو حالة التردي المتزايد في الوضع الفلسطيني الناجم الآن، بالدرجة الأولى عن الفشل المطلق في جميع المستويات السياسية والشعبية الداخلية، فضلاً عن إدارة الصراع مع إسرائيل، لكل من الفصيلين الرئيسيين المتقاتلين quot;فتحquot; وquot;حماسquot;.