علي شعيب - الحياة

احتضنت كلية الدراسات الآسيوية والأفريقية SOAS بجامعة لندن خلال يومي الخميس والجمعة (31 أيار/ مايو و1 حزيران/ يونيو) laquo;مؤتمراً أكاديمياًraquo; حول يهود ليبيا نظّمه ودعا اليه نائب رابطة اليهود الليبيين في الخارج رافائيللو لوزون.

وفي ما يأتي رد على بعض ما أثير في المؤتمر في شأن اليهود الليبيين:

أولاً، اليهود الليبيون والهجرة الجماعية.

مغادرة اليهود الليبيين البلاد بعيد حرب حزيران (يونيو) 1967 laquo;مغادرة جماعيةraquo; لم تكن تهجيراً، وإنما كانت مغادرة طوعية وبناء على طلب رسمي في رسالة وجهها في 17 حزيران 1967 ليللو أربيب رئيس طائفة اليهود الليبيين آنذاك الى رئيس الوزراء الليبي وقتها المرحوم حسين يوسف مازق، طالباً الموافقة العاجلة لليهود الليبيين الراغبين في مغادرة البلاد.

ولم يجد حسين مازق بداً من تلبية طلب رئيس طائفة اليهود الليبيين في مغادرة ليبيا. وأقيم جسر جوي بين طرابلس وروما منذ 20 حزيران 1967 لنقل يهود ليبيا إلى إيطاليا التي استقبلتهم باعتبارهم يحملون - في الوقت ذاته - الجنسية وجوازات سفر ايطالية، الى جانب كونهم ليبيين!

أي أنه لم يرغم أي من الليبيين - الحكومة والأهالي - أياً من اليهود الليبيين على مغادرة ليبيا، وإنما هم (اليهود) الذين laquo;رغبواraquo; في المغادرة، ربما لاعتقاد منهم أن الحرب العربية - الإسرائيلية الثالثة يمكن أن تمتد إلى أمد بعيد، وقد يصل أوارها إلى ليبيا، وطرابلس تحديداً، باعتبارها تحــــتوي على قاعدة هويلس الأميركية، فضلاً عن القواعد الأجنبية الأخرى (بريطانية وأميركية) في مناطق أخرى من ليبيا. ولم تكن بريطانيا وأميركا محايدتين في تلك الحرب، بل كانتا حليفتين للإسرائيليين داعمتين لترجيح الكفة الإسرائيلية في حرب 1967.

من هنا تصبح مطالبتهم - الآن - بالعودة إلى ليبيا كيهود في غير محلها، لأنهم أصلاً لم يُهجّروا، ولم يطردوا، بل كان خروجهم اختيارياً، وحتى ممتلكاتهم الثابتة والمنقولة كانت وضعت بـ laquo;إدارة حراسة ممتلكات اليهود الليبيينraquo; التي أنشأتها حكومة النظام الملكي. ولم تشأ حكومة الثورة أن تلغي تلك الإدارة، وفي ظني أنهم ما زالوا يعتبرون مواطنين ليبيين وإن تعددت جنسياتهم الأخرى! وللدولة الليبية الرسمية اشتراطاتها القانونية إن شاؤوا العودة.

وفي ظني أيضاً أن عودتهم إلى ليبيا لا تحتاج هذه الضجة غير المبررة لعودة مواطنين إلى بلادهم بعد اغتراب اختياري.

ثانياً: إن يهود ليبيا الذين لم يعيشوا في غيتوات معزولة ولم يعانوا من الاضطهاد والدونية - كما هم في بلدان أخرى - بل كانوا يعيشون مع أهاليهم وسط المدن ويسيطرون على مفاصل التجارة والصناعة والاقتصاد، يمكنهم أن يقوموا بعمل تاريخي قد يفيد يهود الدنيا كلها... وهذا العمل يتمثل في وضع حد للجدال واللغط العتيدين المحيطين باليهود عبر العالم.

فاليهودية أساساً معتقد ديني، ووفقاً للصكوك الدولية والكتب السماوية فإن للإنسان الحرية في أن يعتنق ما يشاء من الديانات، باعتبار ان المعتقد حالة laquo;جوّانيةraquo; وجدانية لا يعلمها إلا الله خالق الكون والناس، وهو الذي يحاسب عباده على ما يعتقدون في يوم الحساب.

واليهودية ليست عرقاً ولا عنصراً ولا جنسية، والدليل وجود يهود أميركيين وبريطانيين وروس وألمان ومصريين وفلسطينيين وسوريين وايرانيين وعراقيين، وربما حتى صينيين، أي أن الديانة اليهودية يمكن اعتناقها في أي مكان تجد دعاة لها فيه.

واليهودية أيضاً ليست سياسة!!

وفي حال قيام اليهود الليبيين بهذا العمل يمكنهم أن يحلّوا مشكلة العنصرية المزمنة التي يعانيها اليهود عبر العالم، ومن الدولة العبرية نفسها، تلك المشكلة التي أورثتها لهم الصهيونية المتعصبة بشغلها اليهود في قضية تحديد المفهوم والهوية اليهودية، أي من هو اليهودي؟!

ويمكن لليهود الليبيين أن ينهوا الجدال القائم بين اليهود غير المتدينين الذين يعترفون أن اليهودي هو كل من قال انه يهودي وتمسك بالتقاليد الدينية، وبين اليهود المتدينين الذين لا يعترفون إلا بمن كانت أمه يهودية كما جاء في laquo;قانون العودةraquo; الاسرائيلي الذي أصدره وزير داخلية الاسرائيليين عام 1950 الحاخام اسحاق بيرتس.