الشيخ سعيد هرموش
مشكلة مخيم نهر البارد ليست وليدة اليوم ولا من العامين الماضيين ولا من خمسة، بل هي واحدة من سلسلة مشاكل توضع لنا وللفلسطينيين منذ عشرات السنين، وكلها تصب في مصب واحد أو تنبع من منبع واحد!!
ففتح الانتفاضة بزعامة أبو موسى كانت قد قامت بحرب مفاجئة على الزعيم الراحل ياسر عرفات عام 83 ميلادية من القرن الماضي في مخيم البداوي أدت الى إزهاق أرواح كثيرة من فلسطينيين ولبنانيين وغيرهم، ودمرت فيما دمرت مصفاة طرابلس النفطية التي كانت تعرف يومها بمصفاة نفط العراق، ثم قطع النفط عنا منذ ذلك الحين، ولم يتم إصلاحها حتى اليوم إرضاء لخواطر الآخرين ثم طرد الرئيس عرفات من طرابلس مع مقاتليه ومخزونه من المال على ظهر السفن الفرنسية الى جهة مجهولة، وكان ذلك العمل كله للاستيلاء على مقدرات البلد من مرافئ ومرافق ظلت تدفع الاتاوات والخوات الى زمن قريب، ثم تغيّر واقع الحال في البداوي والبارد مثلما تغيّر في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا الى أن وصلنا الى أيامنا هذه.
منذ ما قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رحمه الله، نلحظ بعض المواقف والمواقف المضادة من الساسة اللبنانيين، وبدأ الشارع السني في لبنان يشعر أكثر من أي وقت مضى بالقهر السياسي، والتمييز المذهبي والفئوي، وبدأت طفيليات المجتمع تنشط وتهدد وتتوعد كأن شيئاً سيحدث، وراحت أبواق الوصاية تنهش بكل سيادي من أي طائفة كان، ثم بدأت التفجيرات تحصد القادة والمؤسسات الى أن قضت على الرئيس الشهيد ورفاقه، ثم توالت بعد ذلك تحصد بالوزراء والقادة والصحفيين، وسواهم بوتيرة عالية مسرعة كما لو كان أعرابي صاحب خيمة في أرض فلاة، ثم أبلغ بعاصفة قادمة، فجعل يلملم أشلاءه ومتاعه قبل أن تبلغه العاصفة!!
ثم أعقب ذلك الرحيل حرب تموز التي لا نريد التعليق عليها احتراماً لدماء الشهداء التي أريقت، ونسياناً للدمار الذي حل في البلد، فأعقبها دخول قوات اليونيفيل على الخط ثم حزام آخر من جيشنا لبسط سلطته على أرضه، ولتأمين قدر من الحماية لليونيفيل حيث الأرض أرضه والقرار قراره، ثم ولدت قضية المخيمات في ساحتي رياض الصلح والحرية، ثم استمر الضغط وتواصل، ففي هذه الأثناء جرى التحضير لمشكلة مخيم نهر البارد التي هي إحدى المطبات التي يتعرّض لها لبنان منذ عشرات السنين، ولكنها هذه المرة لن تؤتي أكلها بسبب ما عاناه اللبنانيون في زمن الوصاية، إلا أن شيئاً لا بد أن يقال: إذا كان الأصوليون المتشددون هم السبب فيما يجري في المخيم المذكور، فلماذا لم يتحرّك أحد من اللبنانيين لنصرتهم، وأين هي القضية الجوهرية التي تعني فتح الاسلام فيما يجري؟
إن الحقيقة المرة التي لا بد منها هي أن اليافطة القديمة التي استعملت سنة ثلاثة وثمانين هي نفسها، وبقيت كلمة فتح وتغيّرت الانتفاضة، وما هؤلاء العناصر الملتحون إلا ستار مغرر به لتنفيذ مآرب أخرى، فلا يتمادين أحد في الاتهامات المسبقة، فإن الاسلام دين الرحمة في مكانها، ودين الشدة في موقعها، ونحن اللبنانيين لم نعد صغاراً يضحك عليهم الكبار، ولن نسمح لأنفسنا ولا لغيرنا أن ندخل في حلبة الصراعات الاقليمية مهما كان الثمن، وقتل ثلث الأمة لإحياء الثلثين جائز، ولن نقبل من أحد بياض وجه على ظهرنا بأية حجة كانت، فالمسلمون السنّة في لبنان شركاء في الوطن بالتضحيات قبل المغانم، ودليل ذلك معروف في ساحات الوغى، ولا نريد الخوض في التفاصيل عند هذا المنحدر الخطر، فنحن اليوم كلنا لبنان، وغدا سنتحاسب أو نتعاتب على سلوكنا السياسي والأخلاقي تجاه الوطن وشعبه وجيشه، فالسيادة والحرية بالنسبة إلينا خط أحمر حقيقي لا كسائر الخطوط، والسوريون أخوة لنا بغوا علينا، فنرجو أن يتوقف هذا البغي بشتى صوره وأشكاله، وأن تعود الحياة الطبيعية تخيم على الشعبين الجارين الشقيقين بكل أبعادها، والاسلام بريء من كل هذه المكائد والهرتقات.
التعليقات