الياس حرفوش

من الصعب إلقاء المسؤولية عن التخبط الذي وقعت فيه الديبلوماسية الفرنسية حيال لبنان في الايام الماضية على نقص في الاحتراف من جانب الادارة الجديدة. فمن أبسط شروط الاتصال السياسي او الشخصي بين الناس، أن لا توجه الاهانات لهم، في الوقت الذي تدعوهم الى زيارتك في بيتك أو في بلدك! هذه قاعدة لا تحتاج الى احتراف لا في العلاقات الشخصية ولا بين اهل السياسة. غير أن أصول الضيافة في فرنسا ساركوزي تبدو مختلفة. فهو لا يجد نفسه محرجاً في اهانة laquo;حزب اللهraquo;، في الموقع الذي يعتبره الحزب الاكثر اساءة له، أي في موقع وصمه بـ laquo;الارهابraquo;، بينما يعمل ديبلوماسيو فرنسا ومبعوثوها في باريس وبيروت وطهران على الاعداد لمؤتمر حواري، أحب الذين حضَّروا له أن يصفوه بأنه يهدف الى استعادة دور laquo;متوازنraquo; لفرنسا في الشأن اللبناني.

لذلك توقف قادة الحزب في اليومين الماضيين عند دلالات الموقف الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي، والذي لا يماثله حالياً في الحدة بين الدول الغربية سوى موقف الادارة الاميركية، التي تضع laquo;حزب اللهraquo; على لائحة المنظمات الارهابية، وتمنع بالتالي المسؤولين فيه من زيارة أراضيها، فقد جاءت تصريحات ساركوزي بعد لقائه مع عائلات الجنود الاسرائيليين الثلاثة الذين خُطفوا في مثل هذا الوقت من العام الماضي على يد laquo;حزب اللهraquo; وحركة laquo;حماسraquo;. وحظي هذا اللقاء باهتمام اعلامي كبير في فرنسا ونقل الناطق باسم ساركوزي عنه انه يريد laquo;أن يتوقف حزب الله عن اعماله الارهابية وأن يتحول الى حزب سياسي مثل سواه من الاحزاب اللبنانيةraquo;. فهل كان ساركوزي يهدف الى احراج قادة laquo;حزب اللهraquo; ونسف الفرصة التي يتيحها المؤتمر اللبناني امامهم للظهور بمظهر الفريق السياسي المشارك في الحوار في احدى العواصم الغربية المهمة، وحتى قبل أن يدفع الحزب عن نفسه التهمة الارهابية التي ألصقها ساركوزي به؟

الواضح أن قادة laquo;حزب اللهraquo; ادركوا أهمية المشاركة في مؤتمر سان كلو وارادوا تالياً تعطيل الذرائع التي تحول دون هذه المشاركة، والقفز فوق التصريحات المسيئة التي اطلقها الرئيس الفرنسي. لذلك سارع اعلامهم أمس الى الاتكاء على ما وصفوه بأنه محاولة laquo;لاحتواء مضاعفات موقف ساركوزيraquo; من خلال ابراز مواقف الناطق باسم قصر الاليزيه التي قال فيها ان laquo;حزب الله ليس مدرجاً على اللائحة الاوروبية للمنظمات الارهابيةraquo;. وجاء في السياق ذاته حديث نائب الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; الشيخ نعيم قاسم، الذي بات يُنظر اليه كأحد laquo;صقورraquo; الحزب البارزين، والذي اعتبر فيه ان لقاء باريس laquo;خطوة ايجابيةraquo;، مع انه استدرك الى التشكيك في امكان خروج حل نهائي من المؤتمر، معتبراً ان هذا الحل laquo;يطبخ عادة في الكواليسraquo;. لكن قاسم، على الأقل، لم يقطع الطريق على مشاركة ممثليه في الحوار كرد فعل على تصريحات ساركوزي.

قد يوحي الأمر في ظاهره ان laquo;حزب اللهraquo; يريد ان يلعب على laquo;التناقضاتraquo; الداخلية الفرنسية، اذ يصطف الى جانب فريق وزارة الخارجية ممثلة بالوزير الطموح برنار كوشنير في مواجهة رئيس الدولة، وهو عكس الموقف الذي يتخذه الحزب من laquo;التناقضاتraquo; اللبنانية، حيث يصطف الى جانب رئيس الدولة ضد اكثرية اللبنانيين. غير ان هامش حركة الحزب في laquo;سياستهraquo; الفرنسية تبدو أوسع من تلك التي يمارسها في سياسته اللبنانية. فهو يستطيع المجاهرة بالمشاركة في الحوار الفرنسي، على رغم موقف حلفائه السوريين الذي أطلقوه أمس عبر صحيفة laquo;تشرينraquo;، التي اعتبرت فرنسا laquo;خصماً وحَكَماًraquo; في الوقت ذاته، والذي سبقه موقف صحيفة laquo;الثورةraquo; التي لم تبخل بالتوضيح ان حل الأزمة اللبنانية laquo;يمر من دمشقraquo;، لتذكرنا بالطريق الشهيرة الى فلسطين التي كانت تمر من جونية!

ذهاب laquo;حزب اللهraquo; الى باريس يؤكد مرة جديدة أن لدى قادته قدرة براغماتية استثنائية تستطيع تجاوز المواقف المبدئية عندما يتصل الأمر بمصالحهم وحساباتهم الآنية. وهي قدرة يؤمل أن تسمح بالبناء عليها من أجل توافق داخلي يتيح للحزب العودة الى قواعده المحلية سالماً، بعد أن أخذته بعيداً ارتباطاته الخارجية.