محمد الرميحي

السيد رئيس الولايات المتحدة، أهلا بك في الكويت ضيفا عزيزا على حكومتها وشعبها، فالكويت وأهلها ممتنون لموقف بلادك الشجاع الذي قررت فيه مؤسسات الدولة الأميركية، خوض حرب بالاشتراك مع أشقاء عرب وأصدقاء من العالم، من اجل إحقاق الحق، وتحرير الكويت من براثن نظام جائر. وهذا الشكر هو من طبيعتنا في الاعتراف والتقدير لكل الأعمال والمواقف التي وقفتها الولايات المتحدة مع الكويت، ومع الحفاظ على الأمن في هذه المنطقة الأستراتيجية للاقتصاد العالمي.

والشكر في ثقافتنا سيدي الرئيس، يعني من ضمن ما يعني، أن يبذل المشكور جهده في مضاعفة العمل الإيجابي المشكور عنه، وهو ما سأتناوله في صلب هذه الرسالة.

نحن أصدقاء يا سيادة الرئيس،والأصدقاء دائما يتوخون الصراحة في الحديث مع بعضهم البعض من اجل المصلحة المشتركة، ونعرف انك تحب حديث الصراحة لأنه الطريق الأسلم لمعرفة مكنونات النفس.

تأتون سيدي الرئيس من ثقافة مختلفة، ثقافة أسس لها رجال كبار من الولايات الثلاثة عشرة الذين قرروا في ذلك الزمن البعيد أن تستقل بلادهم، مؤسسين للدولة وأن يصدروا الدستور الأميركي عام 1787،وهو أول دستور مكتوب، ومبني على احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، كما لحقوه بقانون الحريات المكون من عشرة قوانين أصبحت في صلب الممارسة السياسية في بلادكم المؤثرة على النطاق العالمي وتسمى قوانين الحريات.

ثقافتنا وثقافتكم تختلفان في الكثير من الأمور، فنحن نقول في تراثنا أن الاختلاف رحمة، وهو من طبيعة البشر. إلا أن الثقافتين quot;ثقافتنا وثقافتكمquot; تجلان الحق وتحترمانه، خصوصاً عندما يظهر ويتجلى للعقلاء فيتولون الدفاع عنه.

من هذا المنظور ربما سمعتم سيدي الرئيس وستسمعون عن مطالب كثيرة في زيارتكم لهذه المنطقة، منها طلب التهدئة مع الجارة إيران، لان الضرر لو حصل فسوف يطاول الجميع،وسوف تسمعون أيضاً عن مطالبات بإطلاق أبناء عرب، ومنهم كويتيون، من سجن غواتنانامو،ونحن مع تلك المطالبة، وربما ستطالبون ونطالب نحن معكم أيضاً، بتجفيف منابع الإرهاب، إلا أن ذلك كله وغيره هو من المشكلات التي نواجهها، وهي تشترك إن لم يكن قطعيا، ففي هامش كبير منها مع قضية لها علاقة بالحقوق الإنسانية، وأعني ما يجري على أرض فلسطين. وقد تسألون أو يتساءل من هم حولكم عماهي علاقة كاتب كويتي يبعد آلاف الأميال عن فلسطين بقضية كهذه؟! إنها العلاقة نفسها سيدي الرئيس، (وللتدليل فقط) التي تربط يهودي في بروكلين ونيويورك، مع يهودي آخر في تل أبيب.

ما اعنيه هنا أن الكثير من الظواهر السلبية من حولنا، ينبع أو يستند حقا أو باطلا الى تلك القضية، كما أن بعض شبابنا اليوم في غواتنانامو، وقد خيل لهم أن ما قاموا به له علاقة بفلسطين،تماما كما يحدث في إيران، حيث يقولون هم أيضا ان ما يقومون به له علاقة مباشرة بتلك القضية، والامرعينه في العراق وفي أفغانستان وحتى باكستان، ولو تتبعتم جذور هذه المسألة فسترونها ممتدة إلى هناك إلى فلسطين، ذات الوجع المفتوح بجراحاته في الشخصية العربية وعلى ارضها.

واستدرك فأٌقول إنه لايوجد عاقل يعتقد أيضا بان أوزار تلك القضية الأم كلها يجب أن توضع على عاتقكم،فقد فشلت جهود عربية بأكملها في التوافق العقلاني حول طرق حلها، وعليه ستظل هناك جهود عربية وفلسطينية يجب أن تبذل، إلا أن هذه القضية أصبحت كقميص عثمان، كل يدعي وصلا بها، وانه بسببها يقوم بما يقوم به من اعمال، من احتلال الكويت، حتى بناء مفاعل نووي في إيران. والحقيقة التي لا جدال فيها أن تأثيرات تلك القضية على النفسية العربية لها فعل السحر، فكل التغيرات التي حدثت في منطقتنا وعلى مدى ثلاثة أرباع القرن الفائت، جلها إن لم يمكن كلها تم، حقا أو باطلا، باسم فلسطين، ولا يزال الأمر كما هو عليه في هذا المضمار .. فلا لوم أذن لجمهورنا العربي وحتى الإسلامي، حين يتبع ذلك الصوت، لأن هذا الجمهور مشبع بإحساس بالظلم عظيم وعميق وقع على اخوانه.

انتم تستطيعون ولا شك تقديم المساعدة في اقتلاع أسباب هذا النزاع، وهو أمر نعرف وتعرفون انه ليس ببسيط أو هين، إلا أن ثقل موقع بلادكم في العالم اليوم يستطيع أن يكون مؤثرا. الأعظم من تشتيت الجهود، بسبب تلك القضية في منطقتنا، الفرص الضائعة والتي يمكن أن تضيع على أجيال كاملة، فان الاستنزاف الذي تم في هذه المنطقة لموارد التنمية، والتي كان من المفروض أن تذهب للتعليم الجيد والحديث،ولخدمات صحية فاعلة، وبناء بنية تحتية ...وذلك من الرباط حتى مسقط، معظم تلك الموارد ومنها البشرية، ذهبت هباء في خضم هذا الصراع، فاستلبت الحريات وأجهز على آلاف مؤلفة من المواطنين، وتعطلت التنمية بأشكالها كافة واشتعلت حروب وكل ذلك بسبب الشعارات التي أطلقت باسم فلسطين. ليس أكثر من ذلك، يحتاج الكاتب منا ليقول أنها قضية مركزية، ترتبط بشكل أو بأخر بكثير من القضايا التي تشغل اهتمامكم أيها الرئيس.

إلا أن السذاجة لا تأخذني أيضاً حد القول بأن في حلها ستحل المشكلات كلها، ولكن استطيع الجزم أن فك عقدة هذه المعضلة المستعصية سوف يسهل كثيرا من فك عقد المشكلات الأخرى، أو على الأقل ينزع الذرائع المتداولة حولها هنا وهناك.

سيدي الرئيس: أهلاً بك ضيفا عزيزا في محطتك الثانية في كويت العرب وطابت إقامتكم في بلدنا المضياف، واقبل تحياتي ووافر الاحترام.