رون بن يشاي - يديعوت أحرونوت
قبل عام بالضبط أصبح غابي أشكنازي رئيس الأركان التاسع عشر للجيش الإسرائيلي. لم يكن ليتمنى لنفسه، على المستوى الشخصي والعاطفي، عودة أكثر إثارة.
المشكلة العملانية الإستراتيجية الرئيسية التي وجد رئيس الأركان الحالي نفسه مضطرا لمواجهتها منذ يومه الأول في المنصب على كافة الجبهات كانت مشكلة إرهاب النيران القوسية.
تحاول دولة إسرائيل وجيشها، دون نجاح فعلي، مواجهة تهديد الصواريخ والقذائف التي يتم إطلاقها عبر الحدود باتجاه عمقها المدني منذ سبعينات القرن الماضي. بطريقة ما، تعايشنا مع ذلك، إلى أن جاءت حرب لبنان الثانية وأوضحت لنا أنه إن لم يتمكن الجيش من إيجاد الرد على هذه المشكلة في المدى القريب، فإن كافة مواطني الدولة لن يكونوا قادرين، خلال وقت غير بعيد، على عيش حياة طبيعية وسيكونون عرضة لحرب استنزاف متواصلة.
المشكلة الأساسية الثانية التي فرضت نفسها على رئيس الأركان كانت أهلية ونوعية القيادة العليا. فإن لم تكن الإخفاقات التي تكشفت خلال حرب لبنان على هذا الصعيد كافية، فإن موجة الإستقالات والتنحيات في صفوف الجنرالات وقادة الفرق والألوية التي بدأت فور انتهاء الحرب ولا تزال مستمرة حتى اليوم أبقت أشكنازي مع سلسلة قيادية رفيعة متدنية الأهلية العسكرية المهنية، والأخطر من ذلك، قليلة الخبرة. يوجد في الجيش اليوم قادة شبان وواعدون، إلا أن القليل منهم تمرسوا في قيادة فرق كبيرة خلال القتال. عندما تسلم أشكنازي منصبه، لم يكن لدى معظمهم التأهيل المناسب.
هذه الحقيقة أثرت على المشكلة الرئيسية الثالثة التي كان على أشكنازي مواجهتها: تراجع ثقة الجمهور في الجيش، وبشكل أساسي، في قيادته العليا. هذه الظاهرة، التي تعاظمت جدا بعد حرب لبنان الثانية، لها تداعيات سلبية بعيدة الأثر على حافزية الجنود النظاميين والإحتياطيين، كما على الإستعداد للتطوع والخدمة في الوحدات القتالية واستعداد القيادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة.
هذه المشكلة، إضافة إلى الحساسية الفائقة التي يوليها الجمهور للخسائر البشرية في صفوف الجنود، تمس بالأهلية والقيم القتالية داخل الجيش، وتؤدي في نهاية المطاف، إلى خسائر إضافية زائدة.
تجدر الإشارة إلى أن أشكنازي لم يضطر إلى البدء من البداية. فقبل أن تقدم لجنة فينوغراد تقريرها المرحلي، كانت بين يديه خلاصات التحقيقات التي أطلقها سلفه، دان حالوتس، حول حرب لبنان الثانية.
إضافة إلى ذلك، كانت على طاولته خطة عمل أساسية وشاملة، أعدها نائب رئيس الأركان كابلنسكي، لإصلاح الإخفاقات وللتزود بالتجهيزات والأسلحة المطلوبة. كان على أشكنازي فقط وضع اللمسات الأخيرة والحصول على المصادقة الأولية والمالية من الحكومة على quot;تيفينquot;، وهي الخطة الجديدة المتعددة السنوات لتجهيز وتدريب الجيش.
حتى الأحداث على الحلبة السياسية كانت في صالح أشكنازي والجيش. استقالة عامير بيريتس، ودخول إيهود باراك إلى وزارة الدفاع وفرا لرئيس الأركان الجديد إيجابيتين: وجود من يشاوره ويتقاسم معه المسؤولية، ووجود جهة سياسية قوية في الحكومة تؤيد مطالبه.
الدمج بين باراك، كوزير للدفاع، وأشكنازي، كرئيس للأركان، كان مثاليا تقريبا. الإثنان يعرفان بعضهما بعضاً، ويفهمان بعضهما بعضاً بالغمز تقريبا، كما أن الواحد فيهما يحترم كفاءة الآخر منذ أعوام كثيرة. أشكنازي يقر بالسلطة العليا لباراك، الذي بدوره يشعر أن الجيش في أيدٍ جيدة، ولذلك لا يحاول أن يمارس دور قائد أركان أعلى.
لقد أعاد أشكنازي الوضع الذي كانت فيه هيئة الأركان العامة تدير بشكل مباشر القتال البري، من خلال غرفة القيادة العليا وقيادة المنطقة.
في مجال ترسيخ القيم القتالية يمكن الوقوف على تحسن فعلي في الميدان. على هذا الصعيد يبذل رئيس الأركان الحالي جهدا خاصا يبدو أنه بدأ يؤتي ثماره. مخازن الطوارئ الخاصة بوحدات الإحتياط امتلأت بتجهيزات حديثة كلفت مئات ملايين الشواكل، فيما المنظومة اللوجستية خضعت لعملية إصلاح هيكلية شاملة. وقد لحق التحسن بعشرات المجالات الإضافية، يضيق المقام عن تعدادها.
رغم ذلك، فإن المشاكل الرئيسية التي يتخبط الجيش فيها لا تزال قائمة: أشكنازي والمؤسسة الأمنية لم يجدا حتى الآن الرد العملاني والتقني المناسب لإرهاب النيران القوسية. ثمة شك في كفاية المنظومة الإعتراضية المتعددة الطبقات التي عكفت المؤسسة الأمنية على تطويرها بكلفة فلكية، من أجل حل المشكلة.
كما أن المشكلة الناجمة عن انعدام الخبرة والكفاءة المهنية لدى القيادة العليا لم تُحل بعد. من غير الواضح إن كانت التأهيلات المهنية التي فرضها أشكنازي على كل القادة، من رتبة قائد كتيبة وما فوق، هي بالمستوى المطلوب لجهة المادة التدريبية ونوع المدربين.
كما أن المناورات الأركانية والمناطقية المعدودة التي أجريت لا تزال غير كافية لتزويد الجنرالات ـ قادة الفيالق (التي أعيد إنشاؤها)، وقادة الفرق ـ بالخبرة والبراعة المطلوبين في تحريك التشكيلات الكبرى داخل ساحة المعركة.
إلا أن نقطة الضعف الرئيسية، التي تثير حاليا قلق رئيس الأركان، ترتبط بمجال العلاقة بين المجتمع والجيش. فأشكنازي، ومثله الكثير من القادة على كافة المستويات، يشعرون أنهم لا يحصلون من الجمهور على الدعم والتأييد اللذين يحتاجان لهما. الضريبة الكلامية العاطفية في وسائل الإعلام لا تشكل بديلا، على سبيل المثال، عن الحاجة إلى تغيير التعامل مع الخدمة الإحتياطية. كما أن البطاقات التي وزعتها الحكومة على جنود الإحتياط لا تشكل بديلا عن قانون الإحتياط الذي لا يزال يتعرقل منذ أكثر من عام في الكنيست.
إضافة إلى ذلك، فإن تعاطي الأهل مع الخدمة العسكرية لأولادهم، ومحاولاتهم الدائمة للتدخل في شروط هذه الخدمة، تعيق الجيش عن ترميم نفسه. رئيس الأركان لا يستطيع الإعراب علنا عن احتجاجه، إلا أنه في أحاديث مغلقة أكد أكثر من مرة أنه من دون تغيير جوهري في تعاطي المجتمع مع الجيش، سيكون من غير الممكن إنجاز انعطافة جوهرية. في هذا الموضوع، يوجد اتفاق في الآراء بينه وبين معظم أعضاء لجنة فينوغراد. لكن ليس فقط في هذا الموضوع. الفريق أشكنازي، بعد أن قرأ تقرير فينوغراد النهائي، يعتقد أن معطياته تشكل خارطة طريق ستساعده على الترميم الأدائي للجيش وستعينه في الحصول على الدعم لمواصلة زخم الإصلاحات. حبذا.
- آخر تحديث :
التعليقات