سعد محيو

التقرير المشترك لأجهزة الاستخبارات ldquo;الإسرائيليةrdquo;، والذي وصف في الصحف ldquo;الإسرائيليةrdquo; بأنه قاتم، يحمل في طياته في الواقع بعدين متناقضين:

الأول يبدو قاتماً بالفعل، ويتعلق بالمجابهات التي يفترض أن تخوضها الدولة العبرية مع المقاومات الشعبية العربية في كل من لبنان وغزة وربما غداً في العراق.

والثاني لا يتضمن أياً من ألوان القتامة. إذ إنه يشير إلى أن تفكك العراق، الذي كان يحرس البوابة الشرقية للجبهة العربية، وعزل مصر عن الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;، وإضعاف سوريا عسكرياً ودبلوماسياً، جعل من الحرب التقليدية مع الدول العربية احتمالاً بعيداً، إن لم يكن مستبعداً في المدى المنظور. وحده تغيير النظام في مصر واستبداله بآخر أصولي إسلامي قد يقلب المعادلات. أما مسألة الحرب مع إيران، فهي تندرج في إطار أوسع يتخطى تخطيطات ldquo;إسرائيلrdquo; وقدراتها: إطار المجابهة العامة الإيرانية الأمريكية.

هذه المعطيات تشي بأن الحروب المقبلة (والقريبة للغاية على ما يبدو) ستقتصر على جبهة المقاومات العربية، وستكون مجابهات ضروس بالفعل، بعد أن أثبتت هذه الأخيرة امتلاك قدرات تدريبية تقنية مكّنتها من إجبار المؤسسة العسكرية ldquo;الإسرائيليةrdquo; على إعادة النظر بمفاهيمها حول مسألة الردع ومكوناته.

إعادة النظر في أي اتجاه؟

في اتجاه رئيسي وحيد على الأرجح: العمل على تكبيد مدنيي المقاومات خسائر بالغة الفداحة، قتلاً وتهجيراً، لتحقيق هدفين: الأول، تجفيف البحيرات البشرية التي تسبح فيها المقاومات (وفق تعبير ماوتسي تونج) الأمر الذي سيشكل ضغطاً كبيراً على إرادة المقاومين كما حدث للمقاومة الفلسطينية خلال حصار بيروت العام 1982. والثاني، تجنب خوض حروب عصابات لن يستطيع الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; تطبيق تفوقه النوعي العسكري فيها.

المدنيون هم ldquo;البطن الرخوrdquo; للمقاومة. وقد بدأت ldquo;إسرائيلrdquo; بالفعل توجيه مخالبها المدمرة نحو هذا البطن. فحملة غزة الأخيرة استهدفت أساساً قتل السكان لا المقاتلين (130 شهيداً معظمهم من المدنيين خلال ثلاثة أيام)، وتدمير كل البنى التحتية المدنية. والخطط التي وضعها وزير الدفاع إيهود باراك، لا تزال تتضمن تهجير سكان شمال القطاع إلى الجنوب، وهو كلف خبراء الدستور الدولي وضع الدراسات القانونية التي تبرر ذلك. وخبير الأمن القومي ldquo;الإسرائيليrdquo; فادي نحاس قال إن تل أبيب ستعمد في المرحلة المقبلة إلى ldquo;نشر الدمار الشامل بين البنى والأوراح البشرية لتصدير الحرب بالكامل إلى أرض العدو، ولتسريع نهاية الحربrdquo;.

وفي لبنان، كان الزعيم العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كشف النقاب بعد أيام من انتهاء حرب تموز 2006 بأن ldquo;إسرائيلrdquo; كانت تنوي تهجير الشيعة من لبنان، وأن هذا التخطيط لا يزال قائماً.

كيف يمكن للمقاومات مواجهة ldquo;حروب المدنيينrdquo; هذه؟

ثلاث خطوات سريعة مطلوبة هنا:

الإسراع في بناء الملاجئ والأنفاق، وتوفير ظروف الصمود المادي للمدنيين المستهدفين لتمكينهم من البقاء على أرضهم، إضافة إلى التسليح والتدريب.

نشر الوعي حول كيفية مواجهة القصف والغارات والغازات، وتنظيم عمليات الإنقاذ السريع عبر نشر المستشفيات الميدانية والمتنقلة.

العمل على تحقيق توازن، وإن نسبي، في خسائر المدنيين بين الطرفين، لردع ldquo;إسرائيلrdquo; من الإيغال في عملية القتل والتدمير.

هذه الإجراءات لتوفير صمود المدنيين توازي في أهميتها صمود المقاتلين. إنهما وجهان لعملة واحدة: أشطب واحداً منهما يتداعى الآخر.

ldquo;إسرائيلrdquo;، التي تتوقع تعرّض مدنها للقصف مجدداً، بدأت بتنفيذ كل هذه الإجراءات. بقي أن تحذو المقاومات حذوها. فنتائج الحروب المقبلة، والتي أكد التقرير المشترك لأجهزة الاستخبارات ldquo;الإسرائيليةrdquo; حتمية وقوعها، ستعتمد برمتها على أي من مدنيي الطرفين سيصرخ أولاً.