عبداللطيف الفراتي
شارف سعر البترول على 110 دولارات للبرميل الواحد، ويغامر بعض الاختصاصيين بالتصريح بأنه لن يمر وقت طويل حتى يصل إلى 120 أو 130 دولارا، وترتفع في الغرب نبرة متشائمة حول المستقبل، لا نجد لها صدى كبيراً في البلدان العربية ولا في صحافة البلدان العربية، ولا في قنواتها التلفزيونية العربية.
وبسعر عال للبترول، مصحوب بالتهاب أسعار الحبوب والسكر والحليب واللحم، ما جعل الاقتصاديين يرفعون الرايات الحمراء خوفا من التضخم المالي وارتفاع الأسعار، وهو أمر آت لا محالة إن لم يكن قد استقر بعد، وفي الدول الخليجية ذات الفوائض المالية العالية، تذمر الناس لأول مرة من ارتفاع الأسعار واضطرت الحكومات لرفع أجور عامليها من laquo;الوطنيينraquo; أي المحليين، بل إن بعضها رفع رواتب الوافدين، أما في الدول الغربية التي تقوم فيها المفاوضات الاجتماعية كدين مقدس للعلاقات بين فئة أصحاب العمل وفئة العاملين فإن الشد كبير بين مطالبات عالية، وحذر حكومي من أن يزيد ذلك في تضخم الأسعار، فتصبح غير قادرة على كبح جماحها، ولأول مرة منذ ثلاثين سنة فإن الأسعار قد ترتفع في بعض البلدان برقمين، كما تدل على ذلك مؤشرات المعيشة.
وهناك نوعان من المعلقين على هذه الحال، الأوائل من بقي لهم بصيص أمل في أن تخضع الأسعار للسيطرة، كما حصل في السبعينيات، وأن يستقر الوضع عند حد معين، وأن تعود الأشياء إلى نصابها.
غير أن هؤلاء قلة أمام من يعتقدون العكس، وينتهون إلى أن العالم سيستقر في وضع التوازن غير المستقر على رأي إخصائيي الماتيماتيكا، فتزداد الأسعار التهابا متبعة اتجاها تصاعديا لا قدرة لأحد على السيطرة عليه، أو رده إلى الوراء.
وفي رأي هؤلاء فإن أنماط الحياة، ستتغير تغييرا جذريا أمام ارتفاع غير مسبوق منذ قيام الثورة الصناعية، والانفجار الاستهلاكي، وعندما يصل سعر اللتر من البنزين إلى ما بين 3 و5 دولارات، فإن الناس سوف يضطرون لترك السيارة إما نهائيا أو للمناسبات أو لأيام العطل والنزهة، ويعود الاهتمام المطلق إما للنقل العمومي إذا توفر، أو للدراجة، ويكثر الاهتمام بالمشي للمسافات القريبة والمتوسطة.
ومن رأي المتابعين للذي يجري فإن المنازل سيتقلص حجمها، بسبب غلاء مواد البناء الذي بدأ يظهر للعيان، ففي بلدان الاقتصاد الحر وحيث تحدد السوق الأسعار، فإن أثمان الحديد والنحاس قد زاد ثمنها بثلاثة أضعاف ما كانت عليه، كما زادت أسعار الإسمنت والآجر وغيرها بنسب متفاوتة ولكن لا تقل عن 100 في المائة، وباتت نفقات الصيانة غالية، أما نفقات التدفئة والتبريد فإنها زادت بصورة كبيرة ومرشحة لزيادات عالية جديدة، وبات القيام على منزل واسع الأرجاء عالي الكلفة في وقت قفزت فيها أسعار الأراضي بصورة مشطة بالنظر لندرتها وغلاء أسعار تهيئتها.
ومن هنا فإن أنماط حياة الرخاء والسهولة التي عرفناها قد ولت وانقضت، ولن تعود وستكون الأيام المقبلة مختلفة خاصة للأجيال الجديدة التي ستعاني ابتداء من العثور على عمل، إلى بناء عش الزوجية، والعثور على مسكن سيكون من نوع مساكن يعيش فيها اليوم الناس في أوروبا، حيث إن العيش في مسكن من مائة متر مربع في الطابق العاشر أو الثلاثين هو القاعدة، وصاحبه محظوظ.
يتساءل بعد ذلك الاختصاصيون في الدراسات الاستشرافية، ما هو سبب هذه النقلة النوعية في الحياة؟ هل هو غلاء أسعار البترول؟
ويعتقد غالبهم، أنه من الواضح أن ارتفاع الطلب العالمي، وهو ظاهرة متزايدة باضطراد يقف وراء الذي يحدث، فالكعكة العالمية يتطور حجمها بسرعة أقل بكثير من تطور الطلب، والصين والهند حيث تسجل سنويا نسب نمو تتراوح بين 8 و12 في المائة تستحوذ سنويا على كميات من بترول لا تنتجه في تطور كبير، والصين والهند ومن سنة إلى أخرى ترفع وارداتها وباستمرار بنسبة 100 في المائة سنويا، وهي والبلدان النامية وأمام ارتفاع مستوياتها المعيشية نتيجة نسب النمو المسجلة فيها وارتفاع مستوياتها المعيشية وتحسنها، قد أخذت حصتها من استهلاك الأساسيات وغير الأساسيات تتطور فيها بحيث ازداد طلبها، مما رفع أسعار القمح ومشتقاته وكذلك المواد الغذائية الأخرى التي تختص بإنتاج الكميات الأوفر منها بعض البلدان مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وأستراليا فتحتكرها مما يرفع أسعارها بصورة مشطة أحيانا.
ومن جهة أخرى وأمام التهاب أسعار البترول، فإن بلدانا لا تريد laquo;تبذيرraquo; عملاتها الأجنبية أخذت في إنتاج الطاقة من خلال استعمال مواد فلاحية غذائية على رأسها الذرة أو القطانية ولكن منتجات زراعية أخرى مما قلل وجودها في السوق، وبالتالي رفع من أسعارها وأسعار الحبوب عموما،
ولعل للإنسان في هذه العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين سيتعلم كيف يوقف هدر الثروات الزراعية والتعدينية التي تمتع بها طويلا بلا حساب، وسيتعلم لا فقط الاقتصاد في الطاقة، ولكن أيضا في المياه التي تتهدد الإنسان بالندرة، وأيضا في بقية المواد الفلاحية وغير الفلاحية التي لن تكون متوافرة كما كانت حتى الآن.
وعلى عكس الانفتاح الاقتصادي والتجاري والمالي، فإن تيارات الهجرة ستوضع أمامها مزيد من العراقيل، إلا في مجالات انتقال الأدمغة من مهندسين وأطباء ومعلوماتيين وغيرهم كثير، ممن لم تنفق عليهم البلدان المتقدمة لتأهيلهم شيئا ولكنها تستفيد منهم ومن طاقاتهم بلا حساب وبلا كلفة تدفعها.
والتنظيم العائلي الذي كانت بلدان عديدة تقف ضده هي وشعوبها سيفرض نفسه، لأنه أصبح ضرورة لابد منها حتى لا يزداد أمر مستوى الحياة تدهورا.
ليست هذه نبرة تشاؤم بل هي تصوير لواقع يهجم علينا وعلى عالمنا وليس لدينا سبيل لمقاومته.
التعليقات