عبدالله الجسمي
لوحظ في الآونة الأخيرة تراجع مستوى الخطاب السياسي لدى عدد من المشتغلين بالسياسة وبعض أعضاء مجلس الأمة. فقد خرجت اللغة المستخدمة عن نطاق المألوف وأصبحت تتضمن ألفاظاً فيها من التجريح والتشهير والتهديد والوعيد الشيء الكثير الأمر الذي خلق استياءً عاماً في المجتمع وأضاف سلبية جديدة إلى سلبيات العمل السياسي البرلماني. وقد يقول قائل إن طبيعة المفردات والأساليب المستخدمة موجودة في عدد من البرلمانات الأخرى التي تصل بها الأمور أحياناً إلى الاشتباك بالأيدي لكن تلك الأحداث تكون عارضة أو طارئة وليست جزءاً من الخطاب أو الممارسة السياسية في تلك الدول. فلابد من وقفة إذا لتحليل هذه الظاهرة التي تفشت مؤخراً.
نواب ليسوا سياسيين
البرلمان الحالي هو آخر برلمان نتج عن نظام الدوائر الخمس والعشرين الذي جاء بنتائج سلبية جداً على العملية السياسية والديمقراطية المحلية. وكانت واحدة من مساوئه العديدة هي صغر حجم الدوائر وإمكان نجاح أشخاص لا علاقة لهم بالسياسة والعمل السياسي ولا يحملون برنامجا أو أجندة سياسية. فقد وصل كثير من النواب إلى البرلمان وهم لا يفقهون ما هي السياسة ولا يدركون ماهية العمل والممارسة السياسية سواء في البرلمان أو خارجه. فهؤلاء لا ينتمون إلى أحزاب سياسية لها طابعها الفكري ولم يمارسوا العمل السياسي الجماعي المنظم من خلال التجمعات السياسية ولا يملكون ثقافة سياسية تؤهلهم للممارسة السياسية السليمة. فوصولهم للبرلمان يأتي اما عن طريق العلاقات الاجتماعية أو العائلية أو الخدمات من جهة أو الطائفة أو القبيلة من جهة أخرى وهذا لا يوفر أرضية لخطاب سياسي حقيقي يستخدمه هؤلاء في علاقتهم مع الآخرين والذي يمكن أن ينعكس على أدائهم السياسي. فإذا كان هؤلاء النواب يأتون من هذه الخلفية فماذا نتوقع منهم؟
وفي ظل غياب الفهم المسّيس للأمور والمشكلات نجد طغيان العقلية الانفعالية على الأحداث والتعامل معها. وفي ظل أيضاً غياب التجربة السياسية التنظيمية وغياب البرامج التنموية عند الغالبية من أعضاء المجلس تهيمن النظرة الانفعالية سواء في مناقشة القضايا أو التفاعل معها أو حتى التفكير في حلها. فالخطاب السياسي الحاد المليء بالألفاظ الحادة وأحياناً الجارحة، هو انعكاس لهذه العقلية وطريقة تعاملها مع الأمور مما يؤدي في نهاية الأمر إلى اتخاذ مواقف حادة انفعالية، إما ضد تماماً أو مع تماماً وهذا ناتج من غياب التفكير العقلاني في العمل السياسي عند البعض. كما اعتاد البعض منهم جذب الوسائل الإعلامية بهذه الطريقة. فالتصريحات الهادئة والمتزنة والتي تعالج المشكلات بطريقة هادئة ومتعقلة قد لا تجذب القراء أو تثير اهتمام القائمين على الوسائل الإعلامية. ومن أجل جذب الاهتمام والبهرجة الإعلامية تستخدم الألفاظ المثيرة والحادة للفت أنظار العامة واهتمام القائمين على الوسائل الإعلامية الذين يتلقفون مثل تلك التصريحات لتصبح مانشيتات على الصفحة الأولى، هدفها الإثارة وتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار والمبيعات، فهناك بعض الصحف التي أصبحت تعيش على أساليب الإثارة لأغراض مالية بحتة.
وهذه الظاهرة التي تخرج مفرداتها اللغوية عن المألوف، يمكن النظر إليها في سياق ممارسة العديد من النواب للعمل النيابي. فهناك عقليه سائدة لبعض النواب تقوم على تجاوز القوانين والقرارات والتصدي أيضا لمحاولات الإصلاح وتطبيق القانون، بمعنى لا يلتزم هؤلاء بالقانون ويقومون بخرقه متى ما كانت مصالحهم تتماشى مع ذلك. أي يخرج هؤلاء عن ما هو مألوف في سبيل الوصول لما يريدونه. والذي يقوم بتلك التجاوزات والخروقات يستخدم الفاظا تتجاوز ما هو مألوف أو مسموح به، أي أن العقلية التي تستبيح القوانين والتشريعات تستبيح في نفس الوقت الأعراف وما هو مألوف في المجتمع. ولو نظرنا في المقابل عند النواب الذين يدعون للإصلاح وغيره من أمور تدعو لسيادة القانون والنظام سنجد بأن خطابهم السياسي وألفاظهم تختلف تماماً عن العقلية التي اعتادت انتهاك القوانين والتطاول عليها. فالمسألة إذا تحصيل حاصل فالخطاب الانفعالي والحاد والمليء أحيانا بالألفاظ الجارحة هو انعكاس لعقلية غير ملتزمة بالقانون وتعتقد أنها تملك كل الحق في إخضاع الآخرين لها وبأي أسلوب كان. وللأسف لن تختفي هذه الظاهرة من الساحة السياسية المحلية إلا إذا أخذت القوى السياسية ذات الخبرة والتمرس السياسي والعناصر الناضجة سياسياً دوراً طليعاً في قيادة العملية السياسية في المجتمع وبدعم شعبي للوصول للبرلمان بحيث تصل أطراف سياسية، بغض النظر عن طبيعة فكرها، تفهم الممارسة والسلوك السياسي البرلماني على أسسه الدستورية وإلا سيستمر البرلمان. يدار من قبل من لا دراية لهم بالسياسة.
التعليقات