احمد عمرابي
بمناسبة قرب حلول الذكرى الستين لقيام الدولة الإسرائيلية، كتب صحافي يهودي أميركي ذو اسم مرموق في دنيا الإعلام، يقول: laquo;كيف يمكن لإسرائيل أن تبقى خلال السنوات الستين المقبلة في جزء من العالم تنمو فيه مجموعات مثل حماس؟ كيف يمكن لإسرائيل أن تزدهر إذا كان جيشها لا يستطيع هزيمة عصابات صغيرة من المقاومين؟raquo;.
بما أن هذا التساؤل المصيري عن مستقبل الدولة اليهودية يأتي على لسان laquo;شاهد من أهلهاraquo;، فإنه جدير بالتأمل. الصحافي اليهودي جيفري غولدبيرج يحذر من أن الخطر الحقيقي الذي يهدد بقاء إسرائيل هو خطر داخلي بالدرجة الأولى.. وهو يتعلق في تقديره بإصرار جموع المستوطنين اليهود على laquo;توجهات تناقض رغبة غالبية الإسرائيليين في حل الدولتينraquo;.
ليس بوسع أحد ـ إسرائيل أو غير إسرائيل ـ أن يجادل في صحة هذا التقدير، ولكن لو شاء غولدبيرج أن ينظر إلى المستقبل من رؤية أعرض لأدرك أن هناك أخطاراً أخرى على بقاء الدولة اليهودية، لا تقل جسامة، إن لم تتفوق على الخطر الاستيطاني، وفي مراهنتهم على بقاء دولتهم إلى الأبد كقوة متفوقة إقليمياً ظل القادة اليهود المتعاقبون يرتكزون على أربع فرضيات هي:
قوة الحركة اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة، واستمرار انتشار النفوذ الأميركي بمساحة العالم بأسره، والوهن المزمن للأنظمة العربية الحاكمة واستسلام الشعوب العربية لهذه الأنظمة.
القادة اليهود ظلوا يتعاملون مع هذه الفرضيات، وكأنها ثوابت تتحدى الدهر وتقلباته. لكن هل هي كذلك حقاً؟
أولا: هناك مؤشرات داخل الولايات المتحدة تشير في اتجاه إرهاصات تذمر بين فئات الرأي العام الأميركي ضد النفوذ اليهودي الأسطوري: لماذا التضحية بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة من أجل بقاء دولة اليهود على بعد مئات الآلاف من الأميال؟ هذا التساؤل يتحول رويداً من مرحلة الهمس إلى مرحلة الجهر.
ثانيا: أميركا كقوة عظمى في عالم أصبح متعدد الأقطاب في حالة تآكل تدريجي. فلا جبروتها العسكري ولا متانة اقتصادها كما كانا عليه قبل عقد زمني، بينما أصبحت قوى أخرى ـ الصين تحديداً ـ في حالة تصاعد بإيقاع متسارع.
ثالثا ورابعا: لا الأنظمة العربية الراهنة مرشحة للبقاء على مدى العقدين القادمين، ولا الشعوب العربية ستبقى مستأنسة، وبقاء الأنظمة على أية حال مرتبط عضويا بحالة تآكل النفوذ العالمي للولايات المتحدة.
في أنحاء العالم العربي تتنامى تنظيمات للمعارضة، وليس أدل على قوتها في حقيقة صمودها المدهش في وجه أجهزة قمعية لا مثيل لوحشيتها في هذا العصر.
يقول الصحفي اليهودي غولدبيرج: laquo;أنا قلق جدا على مستقبل إسرائيل خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلةraquo; ومرد قلقه كما يقول: هو استحالة إحلال السلام بين إسرائيل والعرب، طالما ان المستوطنين يتصرفون بطريقة تجعل من السلام القائم على إنشاء دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب في سلام مع إسرائيل أمراً لا يمكن تحقيقه.
هذا رجل يستشرف المستقبل منطلقا من مشاعر العطف على أهله اليهود ودولته اليهودية. فهو يقول: laquo;الأشياء في إسرائيل هشة جداًraquo;.
- آخر تحديث :
التعليقات