حسن مدن

النزاعات المتجددة على الحدود بين أكثر من دولة من الدول النامية، أو النزاعات التي تتخذ شكل حروب أهلية داخل بلدان أخرى، هي في الجوهر امتداد بصورة أو بأخرى لنزاعات وحروب سابقة أمكن احتواؤها في هدنات سرعان ما بدا أنها هشة.
هذه النزاعات القائمة أو الكامنة تنبه إلى أمرين أو أكثر جديرة بالمعاينة:

الأول هو القدرة المدهشة التي تنطوي عليها المشاكل الحدودية الموروثة من العهود السابقة، بما فيها فترات الاستعمار المديدة، ومن التراكيب القبلية والاثنية والدينية والعرقية على إعادة إنتاج نفسها بين فترة وأخرى حتى لو بدا، ظاهراً، أنه تمّ الوصول إلى تسوية نهائية لها.
فالدارسون للتاريخ السياسي للعديد من دول آسيا وإفريقيا سيلاحظون أن الحروب الأهلية أو الحدودية داخل هذه البلدان أو بين بعضها بعضاً والتي تنشب بين آنٍ وآخر هي عودة إلى حروبٍ أو نزاعات جرت في الماضي.

صحيح أن ثمة عوامل جديدة تنشأ وتدفع نحو انفجار النزاعات من جديد، ولكن هذه النزاعات تتغذى من الإرث السابق وتغذيه.
الأمر الثاني الذي تنبه إليه هذه النزاعات مجدداً هو أنه ما من نزاع إقليمي في عالم اليوم يمكن أن يظل محصوراً في نطاقه الجغرافي، وإنما تنشأ معه أو حوله ذيول أو أبعاد دولية، خاصة إذا كانت المنطقة محل النزاع تمتلك مكانة استراتيجية تعني محيطاً إقليمياً أوسع لأطرافه تحالفات دولية، ومصالح تتضرر، مما يفتح الباب واسعاً لتدخلات خارجية ترمي للتأثير في مجريات الأمور في منطقة النزاع.

لا يمكن أن نغفل حقيقة أن كثيراً من النزاعات الإقليمية تنفجر بشكل دموي، حين يشعر أحد أطرافها أن ثمة ضوءاً أخضر دولياً للسماح به، وربما وعوداً بدعمه أو الوقوف إلى جانبه في تقرير نتائج مثل هذا الانفجار.
وأخيراً، إن نزاعات اليوم في بلداننا النامية تشير إلى الوهن الذي أحاق بالمنظمات القارية أو الإقليمية التي تمثل مظلة لمجموعة من الدول تلجأ إليها للمساعدة على تذليل الخلافات بين أعضائها، أو لتحقيق تضامن إقليمي بوجه التحديات الخارجية، مثل منظمة الوحدة الإفريقية وجامعة الدول العربية.
هذا الأمر يفتح الباب واسعاً أمام التدويل في عصرٍ بات فيه هذا التدويل سمة طاغية.