بيروت - محمد الحجيري

قرب ضريح الخميني، احتفل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالذكرى الثلاثين للثورة الخمينية. يقول إن الثورة laquo;ليست محصورة في إيرانraquo; وإنها مستمرة laquo;حتى إحلال العدلraquo;، ويؤكد أنها laquo;لا تزال حيةraquo;. وموجز الرسالة أن قيام الدولة لم يطفئ جمر الثورة، وهو بمعنى آخر يطمح الى تصدير الثورة فيما يدعو رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما الى التراجع.



أحمدي نجاد نموذج لثقافة شعبوية في العالم، نموذج لتناقضات كثيرة راجت بفضل الخمينية والخميني الذي كان أمضى 15 عاماً في المنفى، وعاد الى إيران في الأول من فبراير (شباط) من عام 1979 من العاصمة الفرنسية باريس بعد عشرة أيام من تظاهرات أطاحت بحكم الشاه رضا بهلوي الذي كان يحظى بدعم أميركي فترة طويلة.

تحتفل إيران بالثورة الخمينية، وطبعاً سيحتفل كثر في لبنان (خصوصاً حزب الله) وفي بعض المناطق ذات النفوذ الإيراني. وليس هدفنا هنا التطرق الى واقع laquo;الثورة الخمينيةraquo; ومراميها الفقهية والسياسية، فهي من دون شك قلبت موازين المنطقة الشرق أوسطية رأساً على عقب، ولم تساهم إلا في زيادة التوترات والعودة الى laquo;ثقافة التشادورraquo;، وإصدار فتاوى إهدار الدم كما حصل في فتوى إعدام الكاتب سلمان رشدي بسبب رواية سخيفة. ما نود التطرق إليه هو افتتان بعض أهل الثقافة (اللبنانية تحديداً) بظاهرة الخميني وثورته، ففي مطلع الثمانينات كان المحلل السياسي حازم صاغية واحداً من جمهرة شبان يافعين أطلقوا قبضاتهم في الهواء هاتفين بحياة ثورة إيران الخمينية وحياة قائدها الروحي روح الله الخميني. لكن زخم الهتاف لم يدم طويلاً، واجتماع العلم الشيوعي مع العلم الفقهي لم يدم طويلاً، لم تكد تنقضي أشهر قليلة حتى كانت القبضات تتراخى. الأمر نفسه كان من نصيب هتافات وقبضات حماسية لقائد شعبي يروح وقائد يجيء! وصاغية، من قلة، عاد وكتب عن ولائه للخميني وانفصاله عنه في مقال نشره في جريدة laquo;الحياةraquo; بعنوان laquo;حين أصبحت خمينياًraquo;، مستذكراً نفسه حين حمل صورة الخميني وأتى الى منزل حسن (قد يكون الروائي حسن داوود) قائلاً لقد انتصرنا!.

يروي الكاتب عبيدو باشا كثيراً عن الالتحاق بالخمينية بعد انكسار زعامة كمال جنبلاط و{الحركة الوطنيةraquo; اللبنانية، وثمة مقالات هنا وهناك تدل على تلك المرحلة، لكن يبدو أن معظم الكتاب يحاول حذف تلك المرحلة من سجله الثقافي، لأن laquo;إغواءraquo; الثورة الخمينية صار في الواقع كابوساً وكان المثقف أول الضحايا قبل أن يصبح المجتمع كله في السجن الكبير.

العلاقة بين المثقفين اللبنانيين والثورة الخمينية كانت أشبه بالعابرة، بينما كان تأييد المرشد الروحي لثقافة ما بعد الحداثة ميشال فوكو للثورة الخمينية أشبه بـ{الصدمةraquo;، ففي خريف عام 1978، سافر فوكو إلى إيران لصالح صحيفة laquo;كورير ديلا سيراraquo; الإيطالية ليكتب عن المظاهرات الشعبية المتزايدة ضد نظام رضا شاه بهلوي. ولم يكن فوكو، المعروف بتحليلاته النظرية للاتجاهات الأوروبية نحو الجنون والمستشفيات والسجون، يعرف إلا القليل، باعترافه هو، عن التاريخ الفارسي أو الإسلامي، بالإضافة إلى أنه لم يعمل كصحافي سابقاً، إلا أنه قال عبارته التالية: laquo;لا بد من أن نتواجد حينما تولد الأفكارraquo;.

روحانية سياسية

في إيران حيث بدا ملايين المتظاهرين كأنما جمعت بين قلوبهم كراهيتهم للشاه الذي تدعمه أميركا وإعجابهم بالخميني، ذكر فوكو أنه رأى شكلاً جديداً من أشكال laquo;الروحانية السياسيةraquo; شبيهة بما اكتسح أوروبا في عهدي الكالفينية وكرومويل، فكتب بإعجاب عن كيفية تحريك laquo;آيات الله العظمى شعباً بأكمله ليخرج إلى الشارعraquo; معبراً عن laquo;إرادة شعبية واحدة تماماًraquo;، كذلك ادعى أنه شاهد laquo;أول تمرد كبير ضد النظم العالمية، إنه أكثر أشكال التمرد حداثة وجنوناًraquo;. ولم يتمكن المتظاهرون من إقناع فوكو، لكن الطلبة منهم أخذوا يشرحون له بالتفصيل عن laquo;أحلامهمraquo; حول الحكومة الإسلامية.

تعرض فوكو لانتقادات جارحة بسبب مقالاته عن إيران والخمينية. فقد قال المستعرب الراحل مكسيم رودنسون إن أي حكومة إسلامية محكوم عليها بالانزلاق نحو نوع ما من laquo;فاشية متحجرةraquo;. فيما ادعت إيرانية منفية ناشطة في الحركة النسوية أن اهتمام فوكو بـ laquo;الروحانيةraquo; أصابه بالعمى، مثلما أصاب غربيين كثيرين غيره.

لكن فوكو لم يرد على منتقديه آنذاك، لكن الأحداث اللاحقة بدت وكأنها أثبتت صواب نقدهم. فعندما عاد الخميني منتصراً، جابهت إيران انبعاثاً شعبوياً رجعياً تسلطياً، ما حدا بفوكو الى أن يكتب في أبريل (نيسان) رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء الإيراني السابق مهدي بزركان يعرب فيها عن خوفه من خطر سحق laquo;حكومة الملاليraquo; المقبلة الحقوق والحريات.

أدونيس والثورة

لم يكتب الشاعر أدونيس تغطية صحافية للثورة الخمينية، لكنه كتب قصيدة بعنوان laquo;تحية لثورة إيرانraquo; نشرت في جريدة laquo;السفيرraquo; على صدر الصفحة الأولى، اليوم ننظر الى القصيدة باعتبارها laquo;صدمةraquo;، حتى أن البعض لا يصدق أن أدونيس كتبها، تقول القصيدة التي يسميها هذا الشاعر مقطوعة:

أفقٌ ثورةٌ والطغاة شتات

كيف أروي لإيران حبّي

والذي في زفيري

والذي في شهيقي تعجز عنه قول الكلمات؟

سأغنّي لقمّ لكي تتحول في صبواتي

نار عصف، تطوف حول الخليج

وأقول: المدى، والنشيج

أرضي العربية ndash; ها رعدها يتعالى

صاعقا خالقا

وحريقا

يرسم المشرق الجديد، ويستشرف الطريقا.

شعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكنات

شعب إيران يكتب للغرب:

وجهك يا غرب ينهار

وجهك يا غرب مات

شعب إيران شرق تأصّل في أرضنا، ونبيّ

إنه رفضنا المؤسس، ميثاقنا العربيّ.

القصيدة في نظر خصوم أدونيس أشبه بـ{خطيئةraquo;، فكلما تحدث الشاعر عن موضوع جديد يذكّرونه بها، أو ينشرونها في كتب جديدة، وقد ردّ ذات مرة على بعض الكتاب السوريين قائلاً عن القصيدة التي أهداها الى الخميني: القصيدة - الخرافة لم يقرأها جميع الذين تكلموا عليها قراءة صحيحة، وإنما قرأوا rlm;rlm;{مواقفهمraquo;، من صاحبها - الشخص، ومن الثورة الإيرانية. أما هي، بوصفها نصاً فقد غابت عنهم.rlm; وهي rlm;تدور، جوهرياً، على العلاقة بين laquo;الغربraquo; و{الشرقraquo;. هذه المقطوعة (ولا أسميها قصيدة) إنما هي لحظة من الحماسة مرتبطة حصراً rlm;بظاهرة الثورة الإيرانية، الفريدة بين ثورات الشعوب. كما أرى: غير عنفية، وغير طبقية. غير أنني، مع ذلك، انتقدت مباشرة قيام هذه rlm;الثورة على الدين، وحذَّرت على نحو خاصّ ممن سميتُه بـ{الفقيه العسكريraquo;. وهو ما نراه، اليوم، بتنويعات مختلفة.rlm;

طبعاً علاقة المثقفين بالثورة الخمينية تحتاج دراسة عميقة، كما هي الحال بالنسبة إلى الستالينية أو الماوية أو الناصرية أو البعث أو صدام حسين أو حتى حزب الله.