الإصلاحات الاقتصادية أثارت حنق تجار البازار

لندن - رائد الخمار

في الثامن عشر من يناير 1979، تسلم وزير الخارجية البريطاني دايفيد اوين تقريرا مفصلا من 10 صفحات كتبه السفير انتوني دايفيد بارسنز عن الموقف في ايران، عرض فيه لفصائل المعارضة، والحركة الدينية، وعلاقة الشاه مع الشعب ورجال الدين في هذا البلد المسلم الشرقي، ودور الخميني الذي لا يهادن، والحاقد على الشاه والغرب الذي دعمه، واعتقد انه نهب اموال الفقراء المسلمين في الدولة الفارسية، اضافة الى دور الجيش والقوات الامبراطورية في الحفاظ على العرش وفي دعم الحكم الجديد.

خطة تنمية خمسية

وعلى التقرير، الذي حمل الرمز laquo;ان بي بي011/1raquo;، ملاحظة من وزير الخارجية بخطه ينصح رئيس الوزراء جيمس كلاهان بقراءة التقرير laquo;الجيد جدا والذي يتضمن اكثر من معلومة جديرة بمعرفتها تمهيدا للمستقبلraquo;.
وهنا الجزء الثاني من التقرير الذي اعد قبل مغادرة الشاه بلاده الى الابد.
في نهاية 1974 اطلق الشاه خطة التنمية الخمسية الثانية مضاعفا المبالغ المخصصة لها الى المثلين مع زيادة دور الدولة في الحركة الصناعية والتجارية ما جعل دور تجار البازار مهددا!

كيف يتحرك العالم؟zwj;!

وفي محاولته تحديث البلاد لم يأخذ الشاه بعين الاعتبار laquo;المجالات الآمنةraquo; للاقتصاد، ولا نظر الى ما يمكن ان يؤثر فيه تراجع اسعار النفط فجأة، او اي ازمة اقتصادية عالمية، معتبرا ان العالم يتحرك كما يشاء الامبراطور.
واستكمالا لمبادراته الاصلاحية حاول الشاه تأسيس حزب ملكي لزيادة تطويع الشعب الايراني سياسيا، لكن الحزب لم ينجح في اجتذاب فئة الطلاب والمؤمنين.
وتزامنت نشاطات الشاه مع تنامي قوة الحركة الطلابية وتنظيماتها الاسلامية والمتطرفة، اضافة الى ان الامبراطور اثار حنق فئات كانت تقليديا في الحكم الملكي، لكنها بدأت ترتد عنه اثر محاولاته الغاء ارتباط ايران الكامل بالاسلام واستبدال التاريخ تدريجيا لربطه بالساسانية والشاهنشاهية (...). ولم يتورع عن اسناد دور رئيسي للامبراطورة فرح ديبا لتحويل ايران الى مركز ثقافي عالمي من دون الاخذ بالاعتبار تقاليد ايرانية تعود الى آلاف السنين، ما اثار رجال الدين وزاد عدم الرضا بين فئات مختلفة من الايرانيين لا يجمعها سوى الكراهية للشاه.

الفساد أجهض التنمية

وفي عام 1977 كان الرخاء قد انتهى بعد تراجع اسعار الطاقة عالمياً، ومع ان تحديثاً كبيراً حدث الا ان مصالح باكملها لم تعمل كما هو مخطط بسبب الفساد والسرقات والاهمال والمحسوبية.
وبدأت البلاد والحكم والسلطة تدفع ثمن هجرة المواطنين الى المدينة وترك الريف. وارتفعت نسبة التضخم وفشلت الحكومات المتعاقبة بتنفيذ ما وعدت به وارتفعت نسب البطالة في قطاعات مختلفة مما عزز تضامن المعارضة ولو نظرياً ضد الحكم.
وحاول الشاه تحميل رئيس الحكومة عباس هويدا المسؤولية واستبدله بشخص اقتصادي هو الدكتور اموزيغار الذي لم يستطع استعادة زمام المبادرة وبدأت تدابيره الاصلاحية تعطي مردوداً عكسياً.
وقال السفير ان الشاه اختار فترة حساسة جداً لتنفيذ الليبرالية ولو انه درس التاريخ جيداً مع مساعديه لاكتشف ان اخطر طريق على الملوك والامراء هو نقل البلاد دفعة واحدة من التقليد الى الحرية. ورأى ان احداً من حاشية الشاه لم يشرح له ما جرى قبيل الثورة الفرنسية او اسقاط القيصر الروسي واسباب ذلك.
ولاحظ بارسنز ان بعض التدابير لتحرير الاقتصاد اتخذت للتعامل مع ذيول انتهاء فترة الرخاء في محاولة لاعادة تدوير الاقتصاد وتحسين الاداء وتشغيل ملايين العاطلين عن العمل.

تحالف الملالي والبازار

واشار الى ان الشاه حاول استغلال السنوات العشر الاخيرة من حكمه، قبل ان يتقاعد ويسلم الحكم لابنه، لتعديل بنية ايران وتسليم ولي العهد ايران حديثة!
في الوقت نفسه واعتباراً من 1977 ومرورا بعام 1978 نشأ تحالف بين الملالي وتجار البازار والطلبة وائمة المساجد لم يترك فرصة امام حكومات الشاه الا واستغلها لابراز الاخطاء ومهاجمة الحكومة والشاه في وقت بقيت القوات المسلحة موالية للعائلة المالكة ولم تتحرك على الاطلاق ضد الشاه كما حدث في اقطار عدة في منطقة الشرق الاوسط.
ويروي السفير ان الجميع كان يُفاجأ بالتنظيم الذي يربط بين المعارضة وكيف ان الشعارات نفسها كانت ترفع في اي تظاهرات في جميع انحاء البلاد وكيف كانت التظاهرات تنظم بناء على اشارة من الامام الخميني على سبيل المثال.
ولاحظ السفير ان من تقاليد الشعب الايراني الانتظام في جماعات صغيرة او حلقات اجتماعية يشبه روادها رواد الدواوين في دول خليجية مما يعني ان اي خبر يصل الى هذه الحلقات سرعان ما يُعمم في مختلف ارجاء العاصمة والمدن الاخرى وهو الامر الذي استغلته المعارضة لايصال رسالتها وتعميمها. كما ان البازار كان حلقة الوصل بين العاصمة والمناطق.
وكان لتحالف ائمة المساجد والبازار دور اساسي في اسقاط اثنين من اسرة الشاه بين 1891 و1906 بسبب محاولتهما التدخل في زراعة التنباك وتحديث الاقتصاد.
كذلك حدث ان تحالفاً ضم الزعامة الدينية والبازار والليبراليين اسقط الحكم في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الاولى على رغم انه كان لكل فرق من المتحالفين اهدافه الخاصة.
وذكر السفير ان المعارضة في 1890 اتحدت خلف جمال الدين الافغاني واسقطت الشاه نصر الدين الذي لجأ الى الخارج مما يجعل المقارنة بين الافغاني والخميني شبه حتمية.
واستبعد السفير البريطاني اي دور للاتحاد السوفيتي او لحزب laquo;تودةraquo; الشيوعي في الاضطرابات الاخيرة، وقال ان تنظيمات الطلبة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة كانت شديدة التنظيم ونقلت بعض ما درسته من دروس تاريخية لتطبيقها في ايران اثناء العمل لاسقاط حكومات الشاه.
وتحدث عن دور المتطرفين في الساحة من امثال laquo;مجاهدي خلقraquo; وraquo;فدائيي الاسلامraquo;، وشبههم بحركات راديكالية في الغرب مثل laquo;بادر ماينهوفraquo; او الجيش الاحمر الياباني. وقال ان التنظيمين المتطرفين مسؤولين عن عدد كبير من الهجمات على الادارات الحكومية والسفارات الاجنبية.

ربيع طهران

ولم يحسم السفير ما اذا كانت القوات المسلحة ستخضع لاوامر الخميني ام بختيار لكن الاكيد ان رجال الدين المعتدلين والمتطرفين قد يقبلون حكومة قد يشكلها زعيم البازار مهدي بازركان.
وحض بارسنز خليفته في منصب السفير ان يحاول استغلال ما وصفه بانه laquo;ربيع طهرانraquo; للاتصال مع المعارضة علانية وبدء حوار معها للحفاظ على المصالح البريطانية المستقبلية.
وكانت تقارير دبلوماسية بريطانية ومراسلات بين وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة اظهرت عدم رغبة لندن وحكومة كلاهان ومن بعدها حكومة ثاتشر باستقبال الشاه لاجئاً في اراضيها حيث كان يعتزم الحضور للعيش في الريف الانكليزي مع زوجته وانها اوفدت اليه صحافياً يدعى الآن هارت الى الباهاما حيث كان يقيم مؤقتاً لاقناعه بعدم الحضور الى بريطانيا.

دور أتاتورك

لاحظ السفير بارسنز ان الشاه كان يعتقد بان دوره يحاكي دور مصطفى كمال اتاتورك محدث الدولة التركية وانه كما نجحت الاصلاحات التحديثية في تركيا يمكن ان تنجح في ايران على رغم خلافات في المعتقدات والمذاهب الاسلامية بين البلدين.
وقال السفير، في ملحق مميز تمت اضافته الى رسالته، ان الفارق الزمني بين تشكيل بختيار حكومته ورحيل الشاه عن ايران (نحو 10 ايام) سمح للمعارضة بتسجيل نصر على الحكومة التي خسرت الرهان على استغلال فرصة ابتعاد الشاه عن البلاد والحصول على دفعة اساسية نتيجة ذلك.
وفي البند 22 من الرسالة قال السفير ان الخميني يسيطر على الشارع والمساجد والمتظاهرين وان الحكومة لا تسيطر كاملة على الجيش او على اي رقعة من طهران سوى مبانيهاز
ولا اعرف، كما قال السفير، ما اذا كان بختيار سعى ايجاد ارضية مشتركة مع الخميني الذي رفض هذه الحكومة منذ تشكيلها وطالب بتشكيل حكومة اسلامية في laquo;جمهورية اسلاميةraquo;.
وتوقع السفير ان يتم فور عودة الخميني المنتظرة خلال اسابيع قليلة laquo;الغاءraquo; حكومة بختيار على ان يشكل الامام العائد حكومة مؤقتة تُشرف على استفتاء لاعلان الجمهورية الاسلامية.
وشدد على ان الاقتصاد laquo;خرابraquo; وان ايران ستحتاج الى وقت طويل لاستعادة دورتها الاقتصادية الى مستوى ما قبل laquo;الثورةraquo;.

الحلقة المقبلة:
التمهيد لإسقاط بختيار وعودة الخميني