حليمة مظفر

يقول الله تعالى في سورة الأحزاب quot;النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ * وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْquot;.
هذه الآية الكريمة تنتهي تماما بنا إلى أن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ـ رضوان الله عليهن ـ هنّ أمهات للمسلمين؛ سنة كانوا أم شيعة ما دمنا نؤمن بكتاب الله مصدرا أولا للتشريع عند كلتا الطائفتين؛ إذ ينبغي ألا يقتصر الفهم هنا على أن الآية كما ذكر في تفسير الطبري تعني أن حرمة أزواجه كحرمة أمهاتهم quot;في أنهن يُحرم عليهم نكاحهن من بعد وفاته عليه السلامquot; وإنما أكثر من ذلك؛ إذ تظهر أن لهن من الحقوق على المسلمين باختلاف مشاربهم ما لأمهاتهم الحقيقيات؛ من حيث المودة، والمحبّة، والاحترام، والبرّ، والتأدب في ذكرهن، وعدم التعرض لأذيتهن، والغيرة على أعراضهن كأمهاتهم تماما؛ وأمي وأمكم السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ هي إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقربهن إلى قلبه بعد أمنا خديجة رضي الله عنها؛ وزواجه منها كما ذكر في بعض الكتب كان بأمر الله تعالى؛ ولعائشة فضل كباقي زوجات النبي في سيرة حياتها مع الرسول عليه السلام وحتى بعد وفاته لما أثرت به العلم من علمها وفصاحتها ومواقفها.
لكن إذا ما تأملنا جيدا أحداث التاريخ الإسلامي؛ وجدنا أن أكثر من لحق بها الأذى دون بقية زوجات الرسول عليه السلام كانت السيدة عائشة! فقد تعرضت لأذية المنافقين في حياة الرسول عليه السلام بما ذكر في حادثة الإفك المعروفة؛ والتي برأها منها القرآن الكريم، وهي براءة أثبتها لها أشهر أئمة الشيعة في تفسير القرآن كالطبطبائي، وفصل ذكره العزيز الدكتور حمزة المزيني في مقاله quot;انتفاضة عائشةquot; هنا في quot;الوطنquot;؛ ثم تستمر حملة الأذى عليها حتى بعد وفاته عليه السلام وطوال التاريخ من المنافقين إلى اليوم بما قاله أحد الخبثاء عنها ممن يزعم تشيعه لآل الرسول العظيم وهو من حبه بريء! فلماذا هذا الأذى لأمنا عائشة دون بقية أمهات المؤمنين!؟
مثل هذا السؤال الكبير إذا ما أردنا الإجابة عنه بموضوعية تنصف زوجة رسول الله أمنا عائشة مما لحقها من أذى الألسن؛ لن تكون إلا إذا تعاملنا سنة وشيعة مع ما نقله التاريخ لنا من تلك الحوادث والوقائع التي ارتبطت بها من الخارج لا من الداخل؛ بحيث نتعامل تعامل الباحث العلمي لا الباحث الشرعي؛ ففي ظني أن ما لحق بالصديقة من أذى، إنما نتج عن تطرف بعض من كل من الفريقين؛ السنة والشيعة حولها، واستغل هؤلاء المتطرفون من الحزبين في حربهما الطويلة ضد بعضهما البعض اسمها في رمي بعضهم بالتهم والتكفير والتفسيق والضلال؛ فمن هؤلاء غالوا وبالغوا في محبتها حتى أخرجوها من منزلة البشر ونزهوها عن الخطأ وأنزلوها منزلة المعصومين ونسوا أن الأنبياء وحدهم لا زوجاتهم هم المعصومون من الخطأ؛ فيما بالغ المتطرفون في الحزب الآخر في تضخيم أخطائها وكأنها ليست من البشر تخطئ وتصيب؛ ثم نسوا أن خير الخطائين التوابون؛ فبنوا عليها نتائج افتراق الأمة؛ هكذا عاند هؤلاء وهؤلاء بعضهم باستخدام اسمها في حربهما، ولا يعلمون أنهم بذلك يؤذون أمنا جميعا السيدة عائشة إحدى أقرب الزوجات لقلب نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم.