سمر المقرن


لقد كشفت الأيام بكل وضوح، لماذا يهتم الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية بالجنوب السوداني، فليس للموضوع أي جانب عقدي أو أي شيء آخر غير البترول أو الاقتصاد. ولا أحد يلوم الغرب حول البحث عن مصالحة الشخصية بالطرق المشروعة وغير المشروعة، إن اللوم الكبير على العرب الذين يتخاذلون عن نصرة وحدة السودان (بغض النظر عمن يقف على هرم السلطة فيها وتوجهاته الفكرية والعقدية).. السودان بالأمس كان مفقوداً من تاريخ الاهتمام العالمي، والآن صار محط أنظار العالم الغربي laquo;إنسانياraquo; وهذا ليس إلا بسبب حقول البترول التي ربما تغير هذا البلد، وتغير خريطة المنطقة المحيطة فيه، وأن من مصالح الغرب أن لا يبقى بيد دولة كبيرة شاسعة كالسودان، بل بيد دويلات صغيرة سهل التحكم فيها، وصعب أن تتحكم بمصيرها وقرارها.
إن الاقتصاد دوما هو محرك العالم وهو أداته الوحيدة، وإن الصراع ليس سوى صراع على المال، والمال وحده. وكل واحد من أطراف النزاع يحاول أن يستخدم كل الأسلحة مهما كانت مباحة أو مشروعة أو عكس هذا، فالأديان والعواطف الإنسانية وحقوق الإنسان والمذاهب والأعراق والقبلية كلها أدوات يستخدمها أطراف النزاع للحفاظ على أهدافهم، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال تبرئة أحد منها، ومع الأسف الشديد، فإن منظمات وجمعيات حقوق الإنسان قد تم التلاعب بها واستغلالها بشكل كبير، برغم أني لا أشكك بالنوايا الطيبة لدى بعض الأفراد الناشطين في هذا الحقل، والذين كانوا كثيرا ما يجدون أنفسهم مجرد laquo;لعبةraquo; في أيدي السياسيين الذين يسلطونهم على هذا البلد أو ذاك، ليتحدثوا عن الظلم الإنساني فيه، بينما يوجد ظلم أكبر في بلدان أخرى من الدول التي ترعى أو متصالحة مع هذه الجمعيات. مثال هذا، الولايات المتحدة التي تحتضن كبريات هذه الجمعيات وترعاها وتدعمها، بينما هي ترتكب أكبر الجرائم في دول أخرى كالعراق وأفغانستان.
السودان بلد عربي مسلم شقيق، يعز علينا وعلى كل الشرفاء أن نرى فيه بعض المشاكل وتكالب الدوائر عليه، ولا يرضينا أن يسيء إليه أحد لا إلى شماله ولا جنوبه، لا إلى حكومته ولا إلى الطوائف والأديان فيه، وكل مسلم وعربي يتمنى أن يرى هذا البلد يعيش بهدوء، ولا أحد يستطيع أن يقدم السلام للسودان أكثر من السودانيين أنفسهم، لأن الخاسر الأول والأخير عما يحدث هو السوداني، سواء كان جنوبيا أو شماليا، سواء كان عربيا أم غير عربي، سواء أكان مسلما أو مسيحيا أو وثنيا، فلا شيء يعلو على الوحدة الوطنية، ولا شيء أهم وأغلى من الأمان والسلام في البلاد العربية. وإن ما يقلق هذا البلد يقلقنا، وإن ما نتمناه لأنفسنا من الخير والنعيم والسلام نتمناه لجميع العرب والمسلمين، بل والعالم بلا استثناء!