عبد الرحمن الراشد

الفريق المتطرف في إسرائيل يحاول أن يبني قضية هدفها وقف مشروع السلام بشكل نهائي. إن أردتم دولة فلسطينية فعليكم أن تتوقعوا أننا سنُبعد مليونا وربع المليون فلسطيني يحملون الهوية الإسرائيلية ويعيشون في داخل دولة يهودية.

المشروع جعل إسرائيل لليهود فقط. فهل يُعقل إقامة دولة لثلاثة ملايين في الوقت نفسه تشريد مليون آخر؟!

القضية ساخنة وخطيرة والأسئلة كثيرة ومهمة. هل تقدر إسرائيل على طرد مليون أو حتى مئات الآلاف من الفلسطينيين في هذا العصر؟ هل يهودية الدولة مجرد مسألة ثقافية تعكس الصراع بين علمانيي إسرائيل ومتطرفيها الدينيين؟ هل يمكن أن يسكت المجتمع الدولي عن قرار الإسرائيليين تهويد الدولة وتهديد الفلسطينيين بالطرد؟

القليل معروف عن عرب إسرائيل الذين لا يوجد لهم اسم موحد، يسمون أيضا فلسطينيي إسرائيل، وعرب 48، وعرب الداخل. ومع أن عرب إسرائيل لم يلعبوا أي دور مؤثر في القضية الفلسطينية خلال الأربعين عاما الماضية، لا يمكن أيضا أن ننسى أنهم تمسكوا بأرضهم، ورفضوا عملية التشريد، وتحملوا الكثير من الأذى من قِبل الدولة الإسرائيلية التي صادرت أراضي الكثير منهم تحت مسوغات مفتعلة، وعاش كثير منهم لاجئين في داخل بلدهم. ولم تسترخ القيود ضدهم إلا بعد أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة في حرب 67، حيث أرادت التفرغ لابتلاع الأرض المحتلة حديثا.

جرب عرب إسرائيل الانسجام مع النظام الإسرائيلي وتحملوا كل أنواع التفرقة العنصرية فشاركوا في الانتخابات المحلية والنيابية، وقبلوا الانخراط في العمل السياسي الرسمي، حيث انتُخِبوا وفازوا في الكنيست منذ أول تأسيسه في عام 49 ويعملون فيه حتى اليوم. وقد منعت إسرائيل قيام حركات فلسطينية استقلالية مثل الفتحاوية، لكنها سمحت لفلسطينييها بممارسة كل أنواع الانتماءات السياسية الأخرى حتى للحركة الإسلامية، التي تسللت إلى هناك بعد الثورة الإسلامية في إيران. وسكتت السلطات الإسرائيلية عن تأسيس جماعات إسلامية متطرفة في داخل إسرائيل، وفي الضفة وغزة، من أجل أن تضرب الفلسطينيين بعضهم ببعض. وهذا ما حدث لاحقا باستثناء أن عرب إسرائيل كانوا أكثر حكمة وابتعدوا عن العنف ولم يعطوا الذريعة للمتطرفين الإسرائيليين بإبعادهم من أراضيهم.

الآن، إسرائيل اخترعت فكرة جديدة هي تحديد إسرائيل بدولة يهودية، صحيح أنها منذ البداية دولة يهودية تزيّن علمها بنجمة داود، لكنها كانت دولة علمانية لا تتدخل في خصوصيات الأفراد الدينية. اليوم تريد أن يتعهد مواطنها الفلسطيني الأصل بأنه يهودي الانتماء السياسي، وأن يدافع عن دولة يهودية، وعليه أن يقسم على ذلك. وسيضطر عرب إسرائيل إلى فعل ذلك لأنهم يعرفون أنها أرضهم ولا خيار لهم غيرها.

لقد حقق عرب إسرائيل إنجازات هامة على صعيد التعايش، وتثبيت وجودهم، وعضويتهم في هذا المجتمع. عملوا في كل المجالات باستثناء المجال العسكري، صاروا قضاة وكبار موظفين ووزراء في الحكومات الإسرائيلية.

وعملوا سفراء لإسرائيل وكان أولهم مسلم فلسطيني عين في فنلندا، وشاركوا في النقابات والإعلام والفنون. اليوم، يحاول بنيامين نتيناهو رئيس الحكومة الحالي لإسرائيل تفكيك وجودهم، وقلب المجتمع كله ضدهم، والمساومة عليهم من أجل إقامة دولة فلسطينية.