عبد الرحمن الراشد

أمام العراقيين صف من القيادات السياسية، والحقيقة أنهم جميعا يملكون نفس الخطاب ونفس الوعود ونفس التاريخ. وكل واحد منهم يستحق رئاسة الحكومة، لكن لكل مزاياه وعيوبه أيضا.

نوري المالكي، جربه العراقيون رئيسا لحكومتهم، ولا يستطيع أحد أن يشكك في زعامته أربع سنوات صعبة أدارها بحزم، لكن يعاب عليه أنه حصر الحكم في نفسه وحزبه (الدعوة). وهناك إبراهيم الجعفري الذي عانى من دعاية خصومه ضده، وتشويههم سمعته، ومع نجاحه السياسي لم يطرح مشروعا للبلاد يربط اسمه به. أما عادل عبد المهدي فهو أكثر الشيعة الإسلاميين قبولا، ويكاد يكون المفضل، لكنه يتهم بضعف القيادة في بلد يتطلب قائدا من حديد. أما إياد علاوي، فيكفيه أنه الفائز بأكثر الأصوات في الانتخابات.

علاوي شيعي بلا ارتباطات حزبية دينية، وصاحب طرح سياسي عروبي أيضا، وله اسم كبير في الساحة المحلية والعربية. أهميته أنه يمثل العراق الحلم، أي عراق أكبر من الطائفية، عراق يمثل عشرين مليون عراقي في إطار نظام يوحد ولا يفرق.

لكن يعاب على علاوي أنه رغم تجربته الطويلة فشل في التعامل بواقعية مع الوضع القائم، ففي العراق قوتان فقط تؤثران في القرار السياسي الكبير، الولايات المتحدة وإيران. ولا يمكن لأحد أن يكون رئيس وزراء إن كان على خلاف مع إحدى القوتين، فما بالنا بهما معا؟ لم يدخر وسعا في مناوشة الأميركيين والإيرانيين معا، رافعا شعار: laquo;إنه لن يكون وكيلا لأحدraquo;. موقف وطني رائع، وليس مطلوبا أن يكون وكيلا، لكنه لن يصل إلى رئاسة الوزراء ما دام يهاجم، بلا كلل، الأميركيين، متهما إياهم بأنهم خربوا العراق، والإيرانيين بالتدخل في شؤون الحكم والسياسة العراقية. وهذا ما دفع أحد المسؤولين الأميركيين إلى السخرية من علاوي ردا على سؤال صحافي فيما إذا كان يرى أن علاوي يصلح لرئاسة الحكومة العراقية، فأجابه: أعتقد أن علاوي يصلح أن يكون رئيسا لشركة الطيران العراقية.

علاوي يظن أنه بمجرد كونه الرابح الأكبر في عدد الأصوات في الانتخابات فإن ذلك يكفي لتأهيله، وهذا صحيح، لكن الحكم العراقي لا يزال أيضا شأنا أميركيا وإيرانيا. عملية انتحارية أن يحارب قوتين في آن واحد.

في الصورة يبدو علاوي لبقا ومتسامحا، في حين يظهر منافسه المالكي عابسا وصلبا، لكن الحقيقة ليست بالضرورة كذلك. فالمالكي تعامل مع الأميركيين والإيرانيين، وأرضاهم بدهاء ولباقة في ذروة تقاتل القوتين للسيطرة على العراق. أما علاوي الذي كان يجلس مرتاحا بعيدا عن كرسي القرار فقد خاض حربا غير ضرورية مع طهران وواشنطن، معتقدا أنه بتوازناته الإقليمية الأخرى قادر على البقاء قويا، وقد ثبت أنه مخطئ.

السنوات الأربع المقبلة ليست مجرد دورة أخرى للحكم، بل هي الأهم في تشكيل مستقبل العراق لأربعين سنة مقبلة. وفي حال اعتلاء أي من قيادات الأحزاب الدينية الحكم، فإن ذلك سيثير تلقائيا الشك والشكوى والتمترس الطائفي. من حق علاوي أن يزعم، كونه شيعيا بلا انتماء حزبي ديني، أنه يبقى الأمثل لأسباب أبرزها أنه سينقذ العراق من مخاطر الاحتشاد السني الشيعي. أيضا علاوي مفتاح مهم لفك العراق من عزلته بخطابه الانفتاحي على العالم العربي، حيث لا يزال الكثير من الأنظمة العربية في حال خوف من العراق الحالي.

لكن يبدو أن قرار مستقبل العراق لا علاقة له بالعراقيين في هذه المرحلة رغم أنهم حجوا إلى صناديق الاقتراع واختاروا قياداتهم.