غازي العريضي


في التاسع من يناير المقبل سيكون الاستفتاء في السودان على انفصال أو عدم انفصال الجنوب عن الشمال! يعني، استفتاء على تقسيم السودان أوعدم تقسيمه. المسألة خطيرة جداً. وإذا كانت النتيجة تأييداً للانفصال سنكون أمام إعلان تقسيم أول دولة عربية. وهي دولة كبيرة وغنية جداً. في الشكل سيكون التقسيم بالاتفاق وبمعنى من المعاني بـquot;الإرادة الشعبيةquot;. أما في المضمون والنتائج فإن كلفته ستكون عالية جداً في الحاضر والمستقبل.

في الحاضر، حذّر أوباما من أن وقوع الحرب يعني سقوط الملايين من الضحايا. نعم، الملايين من الضحايا. وهذه كارثة، فالحرب ستكون طويلة، والضحايا سيصل عددهم إلى الملايين. يعني، لن يكون الانفصال quot;بالتراضيquot; أو نتيجة مثل هذا quot;التراضيquot; غير المقبول ستكون الملايين من الضحايا!

الأمر واضح، نحن أمام مخطط تقسيم البلد وعلى أسس طائفية. ولن يمر ذلك دون دم، حتى ولو بدأ باستفتاء. ومشروع التقسيم قديم جديد دائم.

توقف في لبنان بعد حرب دامت خمس عشرة سنة. ولكن هناك من تدغدغ مشاعره وأحاسيسه مثل هذه الفكرة. والعراق يتعرض لمثل هذا الاحتمال، وكذلك اليمن وغيرها من الدول إضافة إلى خطر الانقسامات المذهبية ومحاولات إشعال الفتن المذهبية بين السنة والشيعة في العالم العربي، وكل من يسعى إلى ذلك يملك عدة quot;متكاملة في ورشته، من الأدوات السياسية والإعلامية والدبلوماسية والأمنية والإمكانات المهنية. وفي بعض المواقع تجري الأمور بسرعة كبيرة.

مَن المستفيد من ذلك؟ إسرائيل وإسرائيل فقط. وتدعمها في ذلك الولايات المتحدة الأميركية. إسرائيل التي هزمت في أكثر من حرب خلال العقدين الأخيرين في لبنان وفلسطين عوضّت خسائرها العسكرية بأرباح سياسية في أكثر من مكان. العرب منقسمون. لا رؤية لديهم، ولا استراتيجية للصراع معها، بل رؤى واستراتيجيات للصراع بين بعضهم البعض وبين بعضهم وإيران. وإمكاناتهم المادية والهائلة تستخدم في إطار هذا الصراع، فيما تمنح أميركا دائماً إسرائيل أحدث أنواع الأسلحة وتقنياتها فتجربها في حروب هنا وهناك.

وإسرائيل تستفيد من هذه الصراعات لتتفرغ لأولوية الأولويات عندها وهي فلسطين. تهجر، وتدمر وتعتقل وترتكب المجازر الجماعية والفردية وتسحل الأطفال بالسيارات والناشطين من أجل السلام بالدبابات، وأمام عيون العالم ولا تحاسب على شيء، بل يرسل الرئيس الأميركي رسالة تطمينات وضمانات للحكومة الإرهابية في إسرائيل تتجاوز بخطورتها ما سلّم للحكومات السابقة من رسائل ضمانات مماثلة. فالرئيس الأميركي تعهد لبنيامين نتنياهو بتأييد الخطة التي تقرها حكومته من اليوم لضمان أمنها الاستراتيجي ويؤكد الاستعداد لتوفير كل الإمكانات لذلك، والاستعداد الدائم لاستخدام حق quot;الفيتوquot; في مجلس الأمن وتوفير الحماية الدائمة لإسرائيل في مواجهة أي احتمال يهدف إلى إدانتها جراء أعمال إرهابية أو إلى طرح فكرة الدولة الفلسطينية من جانب واحد في الهيئة الدولية!

يعني دعم مفتوح إلى المستقبل لكل ما تريده إسرائيل، التي وفي هذا التوقيت بالذات أكدت بالموقف والممارسة أن ليس ثمة حق بالعودة للفلسطينيين، بل حق العودة هو لليهود إلى أرضهم الموعودة التي لن تكون إلا دولة يهودية، وعلى هذا الأساس قدم مشروع القانون الأول حول المواطنة التي يجب أن تتلازم مع إعلان الولاء للدولة اليهودية، والذي سيرفق بمشروع قانون آخر حول سحب الجنسية من حملتها اليوم من كل من لا يثبت بالممارسة ولاءه لهذه الدولة...

وعندما نتحدث عن السودان لا ننسى تلك المنطقة العربية ndash; الأفريقية الغنية والمستهدفة بثرواتها من قبل الأميركيين وحلفائهم ومن قبل الإسرائيليين. ولا ننسى استهداف مصر بمياهها منذ أشهر عندما تم توقيع اتفاق لتقاسم المياه بين عدد من دول حوض النيل دون العودة إلى مصر!

بعض العرب يتقاتل على الأرض تحت عناوين مذهبية أو طائفية لقيام دويلاتهم وانفصالهم وفشل إمكانات استمرار تعايشهم مع بعضهم. وإسرائيل تقول لهم: إذا كنتم لا تستطيعون العيش مع بعضكم البعض، فلماذا تلوموننا إذا أعلنا عدم القدرة على العيش مع أعدائنا التاريخيين quot;ومحتلي أرضناquot; وquot;الإرهابيينquot;؟

وإسرائيل والدول الأخرى تتقاتل على ما تحت الأرض من خيرات وإمكانات، في مواجهة ازدياد سكاني عربي وأزمات مناخ ثم أزمات مياه وأزمات رغيف ولقمة عيش!

عام 98 كتبت دراسة عنوانها: من جنوب لبنان إلى أفغانستان والسودان مشروع إسرائيلي أميركي واحد. للأسف ظهرت ملامح هذا المشروع في أكثر من مكان وهو يتقدم ويصل إلى مراحل خطيرة بانعكاساتها علينا، ونحن نحاكي عواطفنا وغرائزنا، ولا نريد الاعتراف بالوقائع والحقائق بل نعيش أسرى المكابرة والغرور والإدعاء.