علي حمادة

حتى قبل أن تطأ قدما الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أرض لبنان كانت برقية من laquo;وكالة الأنباء الإيرانيةraquo; تنقل عنه تصريحا أعطى زيارته بلاد الأرز عنوانها ومعناها الحقيقي. قال نجاد: laquo;إن لبنان محور مهم للمقاومة والصمود أمام القوى التوسعية وهو يلعب دورا ممتازا في هذا المجالraquo;. هكذا تلبست الزيارة بمعنى كان ثلثا اللبنانيين على الأقل يخشونه، أن يكون محمود أحمدي نجاد آتيا إلى لبنان ليكرسه قلعة متقدمة في مشروع الجمهورية الإسلامية في إيران لاختراق المشرق العربي. وفي مشهد الاستقبال الحزبي في مطار رفيق الحريري الدولي، وعلى مداخله كانت بصمات مشروع إيران المشرقي أكثر من واضحة، فقيام حزب الله بحشد عشرات آلاف المناصرين كان رسالة واضحة في اتجاهات عدة، فضلا عن الحشد في المهرجان الشعبي الذي أقيم على ملعب كرة قدم في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث معقل حزب الله.

كان التخوف أن تكون زيارة نجاد بمثابة زيارة مستعمرة وليس بلدا سيدا حرا مستقلا. وقد تحقق ما أكد المخاوف من دون أي لبس أو محاولة لإخفاء الحقائق على الأرض.

إن زيارة محمود أحمدي نجاد إلى لبنان في هذه اللحظة السياسية بالتحديد إنما تبعث برسائل ملغومة في اتجاهات متعددة لبنانيا، عربيا ودوليا.

أولا: رسالة للبنانيين بأن حزب الله التابع لنظام laquo;ولاية الفقيهraquo; هو القوة المهيمنة على المشهد السياسي والأمني، وهو يتصرف كدولة متى شاء. تبين هذا الأمر في تنظيمه استقبال المدير العام الأسبق لجهاز الأمن العام اللبناني الذي كان موقوفا في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في مطار بيروت بمظاهر عسكرية أمنية واضحة تجاوزت كل الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية المطار باعثا برسالة إلى السلطات القضائية، مفادها أن الحزب بإمكانه تجاوز القانون وسوف يتجاوزه كلما رأى مصلحة في ذلك. في استقبال الرئيس الإيراني على سلم الطائرة كان الحضور حزبيا laquo;الثنائي الشيعي: حركة أمل وحزب اللهraquo; بامتياز وإن بتغطية غير مقنعة من رئيس مجلس النواب (رئيس حركة أمل) نبيه بري في حين بقي رئيس الجمهورية ميشال سليمان وكل الدولة في انتظار الضيف في القصر الرئاسي. وكان هناك احتشاد حزبي كثيف ومن لون واحد على الطرقات بأعلام إيران وحزب الله وغابت أعلام لبنان بشكل شبه كامل. أما المهرجان في الضاحية الجنوبية والجولة على مناطق الجنوب فكلها رسائل في اتجاه الداخل اللبناني الذي يعجز عن إقناع حزب الله بوضع سلاحه في خدمة استراتيجية دفاعية وطنية.

ثانيا: الرسالة للنظام العربي الرسمي، تفيد بأن إيران تعلن نفسها رسميا دولة عربية. فبعد العراق، وغزة، وهي إن لبنان بعد خمس سنوات على انتفاضة الاستقلال يشرف على السقوط في يد المشروع الإيراني المدجج بسلاح حزب الله الإيراني، والنموذج في لبنان يؤشر إلى أن إيران ستواصل اختراق المجتمعات العربية في أماكن أخرى من خلال شقوق التنوع المذهبي مستفيدة من رصيديها اللبناني والعراقي.

ثالثا: إنها رسالة إلى الشريك السوري عنوانها أن إيران هي الطرف الأقوى على الساحة في لبنان، وهي في صدد الإمساك بالواقع اللبناني مباشرة، والشريك السوري الذي كان الطرف الأول حتى 2005 يجد نفسه في المرتبة الثانية على أرض لبنان. لم يعد ممكنا التعويل على سورية للحد من النفوذ الإيراني المتنامي في لبنان على قاعدة أن ما يسمى المعارضة المتحالفة مع سورية وإيران لا وزن لها من دون حزب الله، الفرع اللبناني في laquo;الحرس الثوريraquo;. وفي إطار المصالحات العربية فإن إيران تضع laquo;فيتوraquo; على أي ترجمة لبنانية لتفاهمات عربية لا توافق مصالحها ونفوذها.

رابعا: إنها إعلان رسمي موجه للإسرائيليين من أن حدود إيران امتدت إلى laquo;بوابة فاطمةraquo; (إحدى البوابات على الحدود بين لبنان وإسرائيل)، فضلا عن قطاع غزة، حيث laquo;إمارة حماسraquo; الممولة من طهران أيضا. وبالتالي فإن إسرائيل تحتاج ليس إلى سلام مع العرب وحدهم، بل إلى سلام مع الدولة العربية الثالثة والعشرين: إيران. وأي استهداف للمنشآت النووية الإيرانية له تبعات على الحدود مع لبنان أيضا!

خامسا: رسالة إلى الأميركيين والمجتمع الدولي مضمونها أن إيران المحاصرة بسلسلة عقوبات اقتصادية مؤذية تعرف كيف توسع دائرة المواجهة. وهي قادرة على قلب الطاولة في أماكن حساسة. فليس خافيا أن طهران تستطيع توريط لبنان من خلال حزب الله في حرب إقليمية مع إسرائيل إذا ما أرادت خلط الأوراق فيما يتعلق بالنزاع على البرنامج النووي، واستباقا لضربة أميركية لمنشآتها النووية.

إن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان المثقل بحساسيات محلية وإقليمية ما كانت لتكون لولا أن في جعبة الإيرانيين مجموعة رسائل يبغون إرسالها عبر علبة البريد اللبنانية. ولولا ذلك لاكتفى نجاد بالقيام بزيارة رسمية (لا حزبية) منضبطة بروتوكوليا، أو كان تجنب الزيارة برمتها في مرحلة وصل فيها التوتر المذهبي والطائفي لبنانيا إلى حدود خطرة تنذر بانفجار كبير، وفي توقيت إقليمي ودولي شديد الحساسية على مستوى المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية من جهة، وعلى مستوى المواجهة بين طهران والمجتمع الدولي حول البرنامج النووي الإيراني من جهة أخرى.

في اختصار: لقد يمم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد شرق المتوسط لإطلاق رسائله المتفجرة في كل اتجاه.