داود الشريان


الأربعاء الماضي، كتبت مقالاً عن laquo;كارثة التلفزيون العربيraquo;. وهو تضمن معلومات عن وضع مادي ومهني متردٍ. المعلومات استقيتها من بحث يقدمه عميد كلية محمد بن راشد للإعلام، علي جابر، لنيل درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج. المهم في أطروحة علي جابر ليس الاعتماد على المعلومات، على رغم أهمية ذلك، فالأطروحة تهدف إلى وضع قواعد علمية للنموذج الذي نجح، حتى الآن، في تشغيل محطات التلفزيون في البلاد العربية.

رسالة جابر تقوم على مقارنة بين أربعة نماذج لتشغيل المحطات التلفزيونية. الأول هو المحطات التي تعتمد على مداخيل الإعلان، وتملك قرارها التحريري والمهني، بمعنى أنها تقبل بث إعلانات لشركات ومؤسسات رسمية وخاصة، لكن هذه الاعلانات لا تفرض شروطاً على مضمون المحطة وبرامجها، فضلاً عن أن المسؤول عن المضمون لا يأتمر بالقرار التجاري للمحطة. والنموذج الثاني، هو المحطات التي يموّلها دافع الضرائب في الغرب، وهي اكثر استقلالية من النوع الأول، لكنها أقل قدرة على الحركة، كونها مؤسسات شبه حكومية لجهة التنظيم الإداري والمالي. والثالث هو المحطات التي تملكها الحكومات، والمنظمات السياسية، وهي النوع الأكثر فشلاً. إذ تستند إلى مبدأ الدعاية السياسية، وتذبح بالبيروقراطية الحكومية، ومركزية القرار.

كاتب الرسالة العميد علي جابر، أسس وعمل في قنوات تختلف عن تلك النماذج الثلاثة، وهي تلك القنوات التي تقوم على دعم انظمة سياسية، لكنها تمتلك ملاءة النموذج الثالث، ومساحة كبيرة من حرية النموذجين الأول والثاني ومهنيتهما. وهو يسعى من خلال الرسالة الى إيجاد رؤية مهنية وعلمية لحماية النوع الرابع وتطويره. الأطروحة خطوة مهنية واكاديمية ستؤسس لدراسات مستقبلية لتعميق هذه التجربة.

سبب نجاح النموذج الرابع، كما يرى علي جابر، هو ارتفاع مستوى المهنية عند قيادات هذا النوع، وعلى نحو سمح لهم باستيعاب الضغوط السياسية، وتفادي وطأتها على العاملين في هذه المحطات... وان شئت، قدرتهم على تحويل هذه الضغوط من أوامر إلى برامج عمل. لعل من الأسباب أيضاً، استيعاب الفرق بين الحياد والموضوعية. تطور الوعي السياسي للأنظمة، وتغيّر تركيبة أنظمة الحكم، ودخول شباب إلى الإدارة، وقبول التعامل مع العديد من أساليب الحكم التي تمارَس في الدول الغربية، وهي أخيراً تشكل بداية لتخلي الأنظمة عن صناعة الإعلام التلفزيوني.