عبد الرحمن الراشد


مع اقتراب موعد يوم الحسم برفع الإعانة عن السلع الرئيسية في إيران، انتشرت حملة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد تروج إلى أنه رجل فقير لا يملك شروى نقير، سيارته الخاصة هي laquo;بيجو 504raquo; موديل عام 77، وراتبه الأصلي كمدرس في الجامعة مائتان وخمسون دولارا فقط في الشهر، ولا يملك سوى بيت بسيط في حي فقير في جنوب العاصمة طهران، استمر يسكن فيه قبل الرئاسة، حتى بعد أن فاز بمنصب رئيس بلدية العاصمة، رافضا أن يسكن في قصر مخصص للمنصب.

وقد يكون صحيحا كل ما قيل عن فقره وبساطة حياته، مع أنه قابل للتشكيك فيه بحكم طبيعة الوظيفة الرئاسية التي يمارسها نجاد، كما أن مظاهر حياته لا يمكن أن يخفيها معطفه الرث الذي يحرص على لبسه في إيران، في حين يتهندم ببذلة فاخرة في زياراته الأخيرة لنيويورك.

نجاد ليس الوحيد؛ فقد حرص كثير من الزعماء على تصوير أنفسهم كأناس فقراء من عامة الشعب، لكن بعد حين سرعان ما يتضح زيف الدعاية، مثل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ الذي لوحق في عهده الكثيرون بدعوى أنهم برجوازيون وصودرت أملاكهم، في وقت كان ماو يسكن في مجموعة قصور خرافية. والحال مشابه لزعماء الكرملين في زمن الشيوعية، والذين كانوا يعيشون كطبقة مخملية بامتيازات خاصة. والثوار جميعهم تقريبا يحرصون على مظهرهم كمشردين مثل قادة حماس الذين وزعوا صورهم في بيوت فقيرة بعد أن تسببوا في خراب نصف غزة وساووا بين الجميع في العوز والمعاناة.

الزعيم ابن الشعب الفقير، دعاية تقنع الناس لفترة وتقرب صاحب القصر من العامة، لكنها لا تدوم، وتصبح شأنا غير مهم عندما يفشل في إدارته للدولة، وهذا ما يواجه نجاد اليوم. لن ينفع الرئيس الإيراني الترويج لحكاية أنه رجل فقير يملك في كراجه الرئاسي سيارة laquo;بيجوraquo; عتيقة. خلال الأسابيع القليلة المقبلة سيرفع الدعم الحكومي عن اللحم والخبز والخضار والبنزين والديزل، المواد الرئيسية، وسيعاني الكثيرون، وسيكون الفقراء أكثر فقرا، هل قصة الرئيس الفقير ستقنعهم أن يربطوا أحزمتهم على بطونهم؟ أشك في ذلك.

الكثير يُحكى عن ثروات الزعماء، لكن الأكثر سيقال عنهم إذا أفقروا مواطنيهم، وأعتقد أن نجاد سيواجه أياما صعبة آتية لا تفيده معها أجهزة الدعاية التي تروج اليوم له كأفقر رئيس في العالم، بل سيحتاج إلى قوات القمع والحرس الثوري. قصته مجرد قصة لا تهم الناس عندما يعجزون عن إشباع بطون أطفالهم.

الرئيس الأميركي باراك أوباما جاء إلى البيت الأبيض من عائلة متوسطة، ليست غنية أبدا. وبمجرد دخوله من الباب حصل فورا على عقدين لكتابين عن حياته تصل قيمتهما إلى نحو عشرة ملايين دولار. وهاهو يذرع حديقة البيت الأبيض ممسكا بحبل كلبه الذي اشتراه بألف وخمسمائة دولار، فلا أحد ينكر عليه.

يستطيع أن يكون نجاد زعيما عظيما وغنيا معا لو استطاع أن يفك ضائقة إيران التي تعيش في ضنك بسبب سياسة ملاليها الذين يتفاخرون بالجلوس كالفقراء أمام كاميرات التلفزيون. إيران أغنى من كل دول الخليج التي يحسدها الكثير من زوارها الإيرانيين ويشعرون كيف أن بلدهم الغني بالثروات النفطية والغازية والزراعية يعيش أهله على الكفاف والدعاية الرخيصة.