صحافة أجنبية : «ويكيليكس» صمام أمان ضد الإرهاب

لو كان موجوداً لما وقعت هجمات 11 سبتمبر

واشنطن

ماذا لو كان موقع ويكيليكس موجوداً في عام 2001، هل كان بإمكاننا منع هجمات 11 سبتمبر؟ الحقيقة أن هذا السؤال يستحق التأمل والتفكير، فبين عبارات الإشادة والتقريظ التي انهالت على الموقع، والانتقادات اللاذعة التي تعرض لها المشرفون عليه بسبب نشره للوثائق السرية دون الكشف عن مصدرها، نعتقد أن العالم لم يجرب بعد الإمكانات المفيدة للموقع التي سنوضحها فيما يلي؛ فقبيل الهجمات المدمرة التي ضربت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 كان العديد منا قد التقطوا إشارات مزعجة عن شيء ما خطير يدبر في الخفاء ويستهدف الأمن العام في أميركا، ولكننا مع الأسف كنا نعمل في إطار مؤسسات أمنية متحجرة وغير قادرة على اتخاذ قرارات سريعة والتصرف بفاعلية. ولذا انخرطنا نحن الاثنين في تساؤل ملح عما إذا كانت الأمور ستختلف لو أتيحت لنا فرصة من خلال منبر معين لكشف المعلومات التي كانت بحوزتنا وتنبيه الرأي العام إليها، فأحدنا وهو كولين راولي، كان عميلاً خاصاً ومستشاراً قانونيّاً في قسم تابع لمكتب التحقيقات الفدرالي بمدينة quot;مينيابوليسquot; كما عمل عن قرب مع من اعتقلوا الإرهابي الذي كان سيشارك في تفجير الطائرات quot;زكريا موسويquot; بسبب انتهاك بسيط لقوانين الهجرة قبل أقل من شهر من تدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك. فبعد تلقي معلومات من مدرسة تعليم الطيران التي شك المدرسون فيها في تصرفات موسوي الذي قال لهم إنه يريد تعلم الطيران quot;للتباهيquot; بادر العميل الخاص quot;هاري ساميتquot; وزميل له في الاستخبارات الوطنية باعتقاله، هذا في الوقت الذي توصلنا فيه بمعلومات من استخبارات أجنبية تفيد بوجود علاقة بين المعتقل وأحد التنظيمات الإرهابية. ولكن مع ذلك رفض مسؤولون في مكتب التحقيقات بواشنطن طلب quot;ساميتquot; الترخيص بتفتيش جهاز الكمبيوتر المحمول للمشتبه فيه وباقي أغراضه.

وأكثر من ذلـك أن المسؤولين أنفسهم ماطلوا مدير quot;ساميتquot; في مكتب التحقيقات الذي أوضح لهـم في أواخر أغسطـس 2001 أنـه quot;يحاول وقف أحد الأشخاص عن ركوب طائرة والاصطدام بها في مركز التجارة العالميquot; -نعم كان التحذير بهذا الوضوح- وهو ما دفع بالعميل quot;ساميتquot; خلال الإدلاء بشهادته أثناء محاكمة موسوي إلى وصف تصرف المسؤولين في مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين تجاهلوا التحذير بـquot;جريمة الإهمالquot;، كما خلصت في النهاية لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر إلى أن موسوي كان على الأرجح يُهيَأ ليكون طياراً بديلًا، وكان من المرجح أيضاً أن يؤجل المختطفون خطتهم لو أُعلن خبر اعتقال موسوي، وهنا لربما كان موقع ويكيليكس سيساهم في فتح المجال أمام ضباط الأمن الذين راودتهم شكوك قوية بشأن استهداف أميركا، وشعروا بالإحباط من استخفاف رؤسائهم بتلك الشكوك والتحذيرات.

وفي الحقيقة كان هؤلاء الضباط عالقين بين التقيد بالتزامهم الأخلاقي بعدم تسريب معلومات سرية فيما الوقت يمر بسرعة والخطر يتعاظم وبين الخروج إلى العلن وكشف ما لديهم، على رغم أن رؤساءهم ما فتئوا يحذرونهم من الحديث إلى وسائل الإعلام. كانت هذه تجربة أحد كاتبي هذا المقال. أما تجربة الآخر، وهو مسؤول الأمن الجوي quot;بودجان دزاكوفيكquot; فلا تختلف في تأكيد تهاون مكتب التحقيقات الفيدرالي، فقد كان quot;دزاكوفيكquot; أحد المسؤولين الذين قادوا فريق إدارة الطيران الفيدرالية لفحص الإجراءات الأمنية المتخذة على متن الطائرات، حاملاً هو الآخر قصة دالة عن الكيفية التي تم بها تجاهل تحذيراته قبل هجمات 11 سبتمبر، لاسيما بعدما كشف فريقه من خلال تقييمه للإجراءات الأمنية المتبعة عن مجموعة من الثغرات الأمنية التي تسمح لخاطفي الطائرات بتهريب الأسلحة على متن الطائرات والسيطرة عليها أثناء تحليقها، ومع ذلك أهمل تقرير الفريق تماماً بل إن الفريق ألغي بالكامل بعد واقعة 11 سبتمبر.

وفي شهادته أمام لجنة التحقيق لخص quot;دزاكوفيكquot; تجربته بقوله: quot;لقد تمكن الفريق الذي كنت أشرف عليه، ويقوم بتقليد الإرهابيين لاكتشاف مواطن الخلل، من laquo;قتلraquo; عدد كبير من الناس خلال الهجمات الوهمية التي قمنا بها، ولكن مع ذلك أُمرنا ألا نشير إلى ذلك في تقاريرنا وألا نعاود تقييم المطارات التي وجدنا فيها نقاط ضعف أمنية... بل لقد وصل الأمر بإدارة الطيران الفيدرالية أنها أعلمت المطارات عن قدومنا بوقت طويل وحددت لهم الأماكن والنقاط التي سنركز عليها في تقييمناquot;!

واليوم بالنظر إلى ما جرى يعتقد quot;دزاكوفيكquot; أنه لو كان موقع ويكيليكس موجوداً وقتها لكان لجأ إليه كملاذ أخير لكشف ما بدا له على أنه ثغرات أمنية خطيرة في المطارات يتم تجاهلها، وهو ما أكدته لجنة التحقيق التي أشارت إلى أن الفشل في التنسيق بين المؤسسات الفيدرالية وكشف المعلومات للإعلام والرأي العام أدى إلى عجز في ربط النقاط فيما بينها وتفادي الهجمات الإرهابية. ومع أن الخروج إلى الإعلام والحديث ضدّاً عن رغبة المسؤولين يحمل في طياته الكثير من الأسئلة الأخلاقية والقانونية، إلا أنه في بعض الحالات لا مفر من كشف المعلومات. وإذ كان البعض في السابق قد لجأ إلى وسائل الإعلام للتواصل مع الرأي العام إلا أن ذلك قد يؤثر أيضاً على الصحفيين أنفسهم ويعرضهم للسجن لإصرارهم على عدم كشف مصادرهم، وهو ما يؤكد مرة أخرى الحاجة إلى ويكيليكس كصمام أمان ضروري في الحالات التي تشبه تجاربنا.

كولين راولي - عميل خاص سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي

بودجان دزاكوفيك - عميل خاص سابق في إدارة الطيران الفيدرالية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

laquo;إم. سي. تي. إنترناشيونالraquo;