محمد علي الهرفي

انشغل العالم منذ أيام ولايزال بوثائق laquo;ويكيليكسraquo; التي بلغت 400 ألف وثيقة، ونشرت على موقع جماعة ويكيليكس والتي تحدثت عن الجرائم البشعة التي ارتكبها الجيش الأميركي في العراق، وكذلك الجرائم التي ارتكبها مسئولون عراقيون منهم السيد المالكي بحق عراقيين - قتلاً وتعذيباً وتهديداً - منذ توليه الرئاسة وحتى الآن.

بطبيعة الحال معظم المواطنين العرب لم يتفاجأوا بمحتويات تلك الوثائق لأنهم كانوا يعرفون حجم الجرائم التي ارتكبها الجيش الأميركي في العراق، كما إنهم يشاهدون عبر وسائل الإعلام حجم الجرائم التي يرتكبها ذات الجيش في أفغانستان... لكن المفاجأة للكثيرين طبيعة رد الفعل تجاه هذه الوثائق سواءً في أميركا أو العراق!

الأميركان قالوا: إن نشر الوثائق يضر بالجيش الأميركي وكذلك بحلفاء أميركا!

وزيرة الخارجية كانت سعيدة لأن الوثائق لم تشر إلى وزارة الخارجية!

باختصار: لم يناقشوا محتويات الوثائق - ربما لأنها صدرت عنهم - وإنما كان همهم الأكبر حماية جنودهم وكذلك حماية حلفائهم ولا شيء آخر... إنما ماذا حصل في العراق، وماذا قد يحصل فهذا لا يعنيهم بشيء! المهم سلامتهم وحدهم!

الحكومة العراقية هي الأخرى لم تكن أحسن حالاً بكثير من الأميركان فجاءت تصريحات بعض منسوبيها في غاية الغرابة!

فالحكومة اعتبرت نشر هذه الوثائق في هذه الفترة توقيت مريب! وأنها ربما تكون مؤامرة؟! تخيّل هذه المؤامرة من الأميركان ضد من جاءوا بهم ومازالوا يعملون لصالحهم! هل الأميركان بحاجة إلى مثل هذه المؤامرة؟!

وقال مندوب الحكومة - أيضاً - إن الهدف تشويه صورة المالكي، ووضع عقبات أمام تشكيل الحكومة!

هل الذين كتبوا هذه الوثائق كانوا يعلمون أن المالكي سيكون متشبثاً بالحكم في هذه الفترة التي ستنشر فيها هذه الوثائق؟! بل وهل هم عاجزون عن إزاحته وتعيين سواه؟!

أما حديث الوثائق عن الإعدامات التي شارك فيها المالكي فهي فقاعات إعلامية تقف وراءها أهداف سياسية معروفة!

ليت هذا المتحدث شرح للناس لماذا هي فقاعات، وما هي هذه الأهداف المعروفة التي لا يعرفها - حقيقة - غيره؟!

مرة أخرى الحديث عن مشاركة فرق المالكي في الاغتيالات ليس جديداً، وهو منتشر بين العراقيين وكل مطلع على ما يجري في العراق!

النائب العراقي محمد إقبال عن جبهة التوافق علق على هذه الوثائق قائلاً: laquo;ما نشر أمر عادي جداً ولا جديد فيه... ولا أعتقد أن الشعب العراقي سيستغرب من حجم المعلومات حول الانتهاكات التي قام بها الجيش العراقي طوال سنوات الاحتلال لأن لكل عراقي قصة مع هذه الانتهاكات لكننا نقول: إن الاستمرار في كشف المزيد من الوثائق أمر مفيدraquo;.

الشيء الأهم: وماذا بعد؟! هل سيحاكم أي أميركي عن جرائمه؟! حتى تلك الجرائم التي رآها كل الناس عبر شاشة التلفاز؟!

ثم هل سيتوقف هؤلاء عن الاستمرار في جرائمهم الواضحة سواءً في العراق أم في أفغانستان؟!

أعتقد أن الإجابة ستكون بالنفي... والواقع أثبت كل ذلك... فالذين تمت محاكمتهم بجرائم مهولة مثل القتل والاغتصاب جاءت نتائجها مخيبة للآمال! تماماً مثل المحاكمات التي يجريها الصهاينة لجنودهم! فالشيخ رائد صلاح سُجن عدة أشهر لأنه أهان جندياً صهيونياً! بينما يحاكم الجندي الصهيوني بجرائم قتل وإهانة للفلسطينيين وتكون البراءة من نصيبه!

الأميركان سيخرجون سالمين من كل ما جاء في تلك الوثائق بدليل عدم اهتمامهم بها، بل بسلامتهم وحدهم...

والعراقيون المسئولون عن الجرائم أيضاً سيخرجون سالمين! سيقولون إنهم سيحاكمون المتورطين لكنهم لن يفعلوا لأنهم هم المتورطون الأساسيون، وربما يكون استماتة المالكي للبقاء في الحكم لكي يضمن سلامته وسلامة شركائه!

شخصياً لا ألوم المحتل لأن الجرائم من طباعه، ولأنها - كما يعتقد - تحقق أهدافه، لكنني ألوم أبناء الوطن الذين يفعلون مثله، ويسكتون عن جرائمه، وأحياناً يبررونها!

الشعوب عليها أن تتحرك قدر إمكانها، والإعلام الحرّ عليه أن يفضح كل الممارسات الإجرامية التي يعرفها...

وأتساءل: هل ستتحرك المنظمات الدولية للتحقيق مع المجرمين؟! هل ستدين الأمم المتحدة ومنظماتها تلك التجاوزات؟! محكمة الجنايات الدولية هل ستجرؤ على اتهام أميركا بارتكاب جرائم حرب أم أن تخصصها مقتصر على السودان فقط؟!

العرب - وحدهم - مسئولون عن أمنهم، وتطوير بلادهم، وتحقيق مصالحهم، فإن لم يفعلوا ذلك فمن الغباء أن ينتظروا تحقيق مصالحهم عن سواهم!