أحمد عبد الملك

بدا خلال منتدى quot;الاتحادquot; السنوي الذي عقد مؤخراً في أبوظبي، أن هنالك إعجاباً عربيّاً بتركيا نظراً لموقفها المتضامن مع الشعب الفلسطيني خلال حصار غزة ورحلة سفينة تركية باتجاهها، حيث جوبهت بعدوان آلة الحرب الإسرائيلية على السفينة؛ وسقط نتيجة لذلك مجموعة من الأتراك. كما تجلى الإعجاب أيضاً بموقف أردوغان خلال مؤتمر quot;دافوسquot; الشهير.

وقد وثقت تركيا مؤخراً علاقاتها مع سوريا، وتم فتح الأسواق للبضائع وإلغاء التأشيرات بين الجانبين. كما أنها تريد حضوراً قويّاً في شمال العراق والفوز بعقود إعادة الإعمار والبقاء عند منابع النفط الثرية في شمال بلاد الرافدين، وفي الوقت نفسه محاصرة quot;حزب العمال الكردستانيquot; وشل حركته. وهي تريد أيضاً أن تتأهل لتنال عضوية الاتحاد الأوروبي. ولذلك فإنها تبحث عن دور تكون هي الفاعلة فيه. وقد اعتمدت تركيا على العامل الاقتصادي أو الدخول للدول العربية عبر الاقتصاد، وكانت قد مهدت لذلك عبر دخولها الفضائي بواسطة المسلسلات التركية المدبلجة التي حازت على نسبة مشاهدة عالية لدى الجمهور العربي. وحسبما يرى الزميل الدكتور وحيد عبدالمجيد فإن تركيا quot;تتطلع إلى بناء زعامتها الإقليمية على نموذج قوامه الازدهار الاقتصادي والتطور الديمقراطي ومن ثم الدولة الناجحة التي تشتد حاجة كثير من الشعوب العربية إلى مثلهاquot;. كما سعت تركيا سعياً مماثلاً مع كل من لبنان والأردن وتتطلع إلى العراق أيضاً.

أما ما تعلق بإيران فقد كان الموقف قلقاً، وذلك بعدة اعتبارات منها: الدور الإيراني في العراق، واستمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، ورفضها التحاور حول الموضوع. وإذكاء الخلافات السنية- الشيعية في المنطقة العربية. ودعمها لـquot;حزب اللهquot; وللحوثيين، والتهديد بضرب أمن الخليج فيما لو تعرضت لهجمات من قبل الولايات المتحدة أو حلفائها؛ وإقامة قنوات اتصال مع حركات الإسلام السياسي في العالم العربي.

وفي عالم السياسة لا يتم التعويل كثيراً على الشعور العاطفي أو الفعل الشعبي وليد ردة الفعل العاطفية، بل على الاستراتيجيات المعتمدة على قراءة المواقف والنوايا والإجراءات التي يقوم بها كل بلد.

وإذا ما كان هنالك quot;سباقquot; إيراني تركي لأخذ دور محوري في مستقبل الشرق الأوسط، وكلتا الدولتين لها أهدافها وراء ذلك، فإن على العرب ألا ينتظروا كثيراً حتى تتم quot;طبخةquot; معينة قد يتأخرون كي يأخذوا نصيبهم فيها.

إن إيران تحاصرها القرارات الدولية بسبب ملفها النووي، كما أن الدول العربية تبدو أكثر اقتراباً من النظرة الدولية منها للإيرانية في هذا الملف. وهذا ما يمكن أن يعرقل أي جهد لإقامة منظمة أو تشكيل إقليمي عربي إيراني تركي! كما أن إيران لا تكف عن دعم مطالبات الشيعة في بعض دول المنطقة . وإيران (الدولة الدينية) لا (الدولة السياسية) هي التي تتعامل مع العالم ومع جيرانها، وهذا يضر بالعلاقات بينها وبين الدول العربية.

ويرى بعض المحللين أن كلاً من إيران وتركيا لديهما مشروع للتحرك الخارجي باتجاه جيرانهما، ولكن ليس للعرب مشروع مقابل. وأن المنجزات التي تحققت في تركيا وجعلتها أكثر تنظيماً وتنمية من إيران هي لطبيعة النظام العلماني التركي وانتظام الديمقراطية في ذلك البلد، في الوقت الذي تنوء فيه إيران بأحمال الثورة والسكنى في التاريخ، وقيامها بدعم بعض الجماعات التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها مارقة أو داعمة للإرهاب.

ويربط البعض بين سعي الولايات المتحدة لإيجاد صيغة لنظام إسلامي معتدل خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وطموح تركيا لفك عزلتها عن قضايا المنطقة، ما يمكن أن يؤهلها لأخذ دور مهم، لتعتبر بذلك جسراً للتواصل بين أوروبا والشرق الأوسط، وهو ما يقربها أيضاً من عضوية الاتحاد الأوروبي. في حين أن نجاح إيران في إيجاد موقع قدم لها في منطقة الشرق الأوسط -عبر الاقتصاد والسياسة- يبدو محدوداً خصوصاً في ظل الحصار الدولي، وشكوك الملف النووي، وعدم تأهلها -كنظام ثيوقراطي- لأخذ هذا الدور.

إن فرص نجاح تركيا أكثر من فرص إيران في كسب ثقة العرب والدخول معهم في تنظيم أو نظام للترتيبات الأمنية في المنطقة. ولكن على العرب ألا يتخذوا من هذا الترتيب أو التنظيم سنداً في وقف الطموح الإيراني في المنطقة؛ بل عليهم أن يضمنوا عدم quot;تكتيكيةquot; الموقف التركي، وأنه بذهاب quot;حزب العدالة والتنميةquot; يمكن أن تضطرب البوصلة، فتضيع السفينة. وهذا محك كبير، وخصوصاً أن تركيا يمكن أن تلعب دوراً مهمّاً في قضية الصراع العربي/ الإسرائيلي! ولكن في ذات الوقت ينبغي عدم التهاون مع طموحات تركيا في إيجاد موطئ قدم لها في شمال العراق! ولا ينبغي أن ننسى السدود الكبيرة التي أقامتها تركيا على نهر الفرات ما حرم سوريا من المياه وخفض منسوب المياه في الأراضي السورية.

إن ثقة الولايات المتحدة بإيران لا يمكن أن تقارن بثقتها بتركيا كدولة يمكن أن تضمن الأمن وتتعقب الإرهابيين، ولربما ساهمت أيضاً بدور كبير في حل النزاع العربي/ الإسرائيلي عبر علاقاتها الجيدة مع إسرائيل.

وهكذا نجد أن هنالك مشهداً سياسيّاً جديداً بدأ يتخلق في المنطقة العربية، ولكن دون أن يكون للعرب أي دور فيه! وهذه حقيقة. ذلك أن العرب منقسمون حول قضاياهم الجوهرية، فدول تسعى للسلام مع إسرائيل، ودول تساند مساعي الحرب أو طريق quot;الشهادةquot;! ودول غنية وأخرى جرداء تعشش فيها الأمية، وتتفشى فيها القبلية والجهل، وهما مناخان موائمان لنمو الخلايا النشطة والمتحفزة لإثارة القلاقل والاضطرابات في العالم.