مأمون فندي


لإيران اليوم حدود افتراضية مع إسرائيل متمثلة في غزة وجنوب لبنان، وما بينهما وبين إيران هي مناطق نفوذ تقع تحت النفوذ الإيراني افتراضا، على أمل أنه سيصبح واقعا مع الوقت، وهي ذات الاستراتيجية التي تمارسها إسرائيل في شأن المستوطنات أو تلك التجمعات السرطانية أو الاستيطانية التي تأكل أرض العرب يوما بعد يوم بهدف خلق واقع جديد على الأرض، وفي هذا السياق أحاول أن أفصل أن حزب الله هو الذي يدعم إيران وليس إيران هي التي تدعم حزب الله كما يدعي البعض. عندما كتبت الأسبوع الفائت عن الندية الاستراتيجية بين إيران وإسرائيل وعن تغير المشهد الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، أساء البعض قراءة المقال. فجوهر المقال أن حقيقة معادلة القوى والصراع في الشرق الأوسط على عكس ما قد يتراءى في ظاهرها. فمثلا، في موضوع حزب الله الذي يتحدث الكثيرون عنه على أنه مدعوم من إيران، كانت مقولتي هي أن حزب الله هو الذي يدعم إيران في الصراع الاستراتيجي الكبير وليس العكس، أي إننا إذا ما نظرنا إلى الشرق الأوسط كرقعة استراتيجية على لوحة الشطرنج العالمية، نجد أن حماس وحزب الله هما اللذان يدعمان إيران في صراعها على المنطقة. أما إذا نظرنا إلى الأمور بنظرة ضيقة في إطار لبنان وحده، أو الصراع بين فتح وحماس في فلسطين، فقد تبدو الصورة وكأن حزب الله وحماس هما اللذان يسخران إيران لأجندتهما في السيطرة على الوضع الداخلي سواء في لبنان أو فلسطين. حزب الله يتلقى أموالا وتسليحا من إيران، ولكن هذه الأموال وهذا السلاح ليس هدفها الأول دعم حزب الله في الداخل، رغم أنها تفعل ذلك، ولكن غايتها الكبرى هي دعم إيران لنفسها في المقام الأول، في صراعها الاستراتيجي من أجل الندية الاستراتيجية strategic Parity مع إسرائيل. رسالة إيران للداخل الإسرائيلي هي laquo;إذا ما قررت ضرب المنشآت النووية الإيرانية، فإن أولادنا على حدودكم الشمالية، أي جنوب لبنان، سيذيقونكم مر العذاب، كذلك الأمر نفسه سيحدث في غزة، فمتى ما اعتديتم على منشآتنا فإن الصواريخ من غزة لن تتوقف في اتجاهكمraquo;.. هذه هي رسالة أحمدي نجاد عندما زار لبنان مؤخرا. إذن حزب الله وحماس هما أداتان في يد إيران تدعمان إيران في صراعها الإقليمي، صراع تجعله إيران يبدو في ظاهره مع إسرائيل، ولكن باطنه هو صراع على السيطرة على المنطقة عموما والخليج العربي تحديدا. إذن نحن نتعامل مع حالة يمكن تسميتها بـlaquo;التقية الاستراتيجيةraquo;، حيث تكون بواطن الأمور خلاف ظواهرها.

والتقية الاستراتيجية لا تخص إيران وحدها، فإسرائيل تمارس التقية الاستراتيجية أيضا، بداية من برنامجها النووي الذي لا يعرف العالم عنه الكثير سوى مجرد تخمينات، إلى تغيير طبيعة الصراع في الشرق الأوسط الآن ونقله من حالة الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع إيراني إسرائيلي، وفي هذا تعرف إسرائيل أن أي خصم لها هو صديق للجماهير العربية أوتوماتيكيا، فعندما تصنع إسرائيل من إيران عدوها الأول، فهي تعرف أنها ستسلم مشاعريا هذه الجماهير العربية لإيران، كما سلمتها في السابق لصدام حسين، وبذلك تكون إسرائيل قد سحبت البساط من تحت أقدام القادة العرب المعتدلين، لتصور للغرب بأن هذا المجموع العربي هو مجموع راديكالي متعصب ورافض للسلام.

في هذه التعقيدة المركبة التي يقع العرب ضحية لدهاليزها التي تصل إلى حد متاهة الشاعر اللاتيني الكبير خورخيه لويس بورخيس، لم يعد العرب لاعبين بل أصبحوا ساحة للعب، بمعنى أنهم أصبحوا ساحة تجاذب بين إسرائيل وإيران. فلا العرب ولا قضية أراضيهم التي تحتلها إسرائيل ولا حتى تهديداتهم، هي الشاغل الأهم للرأي العام الإسرائيلي ولا بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو. الشاغل الأهم بالنسبة لإسرائيل اليوم هو laquo;إيران النوويةraquo; أو إيران التي تقترب من إنتاج القنبلة، ورئيسها الذي يعلن كلما راق له أن الصهيونية قد انتهت أو أن إسرائيل يجب أن تمحى من على الخريطة. هذا التهديد الوجودي لإسرائيل، جعلها تركز على إيران من ناحية ما يعرف بالندية الاستراتيجية في المنطقة. وعلى حدودها الافتراضية مع إيران المتمثلة في حماس وحزب الله، ولكن في الحالتين هناك اتفاق شبه ضمني بين ملالي طهران وحاخامات إسرائيل، على أن المنطقة خلقت ليتبادلا عليها السيادة والتفوق الاستراتيجي.

وفي هذا السياق الشرق أوسطي، نقرأ أمرين جديدين: هما صفقة السلاح السعودية الأميركية التي تبلغ قيمتها ستين مليار دولار، وكذلك أيضا نقرأ المناورات السعودية المصرية التي أشرف عليها في الإسكندرية وزير الدفاع المصري المشير محمد حسين طنطاوي، ومساعد وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، فهل هذه هي ردود فعل مصرية سعودية على التغلغل الإيراني في المنطقة. أم هي تحسبات حيال قيام أي حرب إقليمية في ضوء فشل المفاوضات على المسار الفلسطيني الإسرائيلي وفي ضوء الصراع الإيراني الإسرائيلي من أجل الهيمنة في المنطقة؟ إذا كان الأمر هو الاحتمال الثاني، فتلك ردود فعل ليست بالكافية لإيجاد نوع من الندية الاستراتيجية بين خصمين أحدهما معلن وهو إسرائيل وآخر يمارس التقية الاستراتيجية وهي إيران.

أيضا في هذا السياق والمنافسة بين خصم العرب المعلن وخصمهم الخفي، نقرأ زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان، وكلها مؤشرات تقول بأن العرب أصبحوا أدوات لعب أو ساحة لعب بدلا من فاعلين إقليميين. لقد تبدلت طبيعة الصراع الاستراتيجي في المنطقة، والأكثر عجبا من تبدلها هو قبول العرب لدورهم الجديد، سواء أكان هذا الدور قد رسم في إسرائيل أو أميركا أو طهران. الجماهير العربية التي تتعاطف مع إيران اليوم، صدقت بأن إيران على عداء حقيقي مع إسرائيل، ولا تعلم أن إسرائيل تصنع من إيران عدوا حتى تنفر الشعوب العربية من قياداتها المعتدلة في المنطقة مما يصب في تجميد حل الصراع العربي الإسرائيلي، ويصب في تصوير العرب على أنهم راديكاليون لا يقبلون السلام بدليل أنهم يقفون مع إيران أحمدي نجاد الذي يريد إزالة إسرائيل من على الخريطة، على الأقل على مستوى التصريحات.

تصريحات أحمدي نجاد تجاه إسرائيل تشبه إلى حد كبير موقف رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان الدرامي في دافوس عندما غادر المسرح محتجا على شيمعون بيريز، بينما صفقات الأسلحة التركية - الإسرائيلية والتعاون الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا لا تزال في تزايد. ولكن العرب يصدقون المسرحيات، ولم يتنبهوا بعد إلى التقية الاستراتيجية التي يمارسها جميع جيرانهم من غير العرب، من إيران إلى إسرائيل إلى تركيا.