خيرالله خيرالله
في كل الأحوال يتصرف الفلسطينيون بحكمة إذْ عليهم حماية أنفسهم من العزلة السياسية.
مرة اخرى يثبت الفلسطينيون انهم موجودون في واشنطن. كان العشاء السنوي لـquot;فريق العمل الأميركي من اجل فلسطينquot; في العشرين من تشرين الاول الجاري مناسبة لتأكيد ان الساحة الأميركية ليست متروكة لإسرائيل. اختارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التحدث في العشاء. بعدما قدمها رئيس فريق العمل الدكتور زياد عسلي، وهو مقدسي قحّ، بطريقة تؤكد انه من القلائل الذين يتقنون لعبة العلاقات العامة في واشنطن دي.سي. وكيفية التعاطي مع المؤسسات الأميركية.
كان خطاب وزيرة الخارجية في غاية التوازن واكدت فيه مجددا وربما للمرة المليون بعد الالف ان ادارة الرئيس باراك اوباما جدية في جهودها الهادفة الى التوصل الى تسوية دائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على اساس خطوط العام 1967 وحل الدولتين وتبادل للاراضي. ولكن يبقى ان اهمّ ما في خطاب هيلاري كلينتون الذي اشار الى quot;الاحتلالquot; الإسرائيلي وضرورة انهائه الطريقة التي تحدثت بها عن الشعب الفلسطيني انطلاقا من تكريم quot;فريق العملquot; لاربع شخصيات فلسطينية هي جندي وشاعر وكاتب مسرحي ومتعهد بناء. اعتبرت ان قصة كل شخصية من الشخصيات الاربع quot;فريدة من نوعهاquot; مضيفة ان هذه الشخصيات quot;تشكل معا دليلا على قدرات الجالية الفلسطينية وديناميكيتها في أميركا وفي كل اماكن الانتشار الفلسطيني اكان ذلك في المدن الكبرى او البلدات الصغيرة (...) ان الفلسطينيين الأميركيين يساهمون في اغناء ثقافتنا وتقوية اقتصادنا واعطاء حيوية لديموقراطيتناquot;.
من يقرأ خطاب السيدة كلينتون ويعيد قراءته بتمعن يكتشف ان ليس صحيحا ان السياسيين الأميركيين منحازون كليا لإسرائيل. يظهر الخطاب ان الأميركيين عموما يعرفون جيدا ان هناك اطارا لتسوية قابلة للتحقيق ويعترفون بالجهود التي يبذلها رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس ورئيس الوزراء الدكتور سلام فيّاض من اجل اقامة مؤسسات لدولة فلسطينية quot;قابلة للحياةquot;. ما الذي يعوق اذا تحقيق تسوية ما دام الاطار العام لمثل هذا الانجاز بات معروفا وما دامت إسرائيل نفسها لم تعد تعارض قيام دولة فلسطينية؟
يبدو واضحا ان الشرق الاوسط يعيش حاليا حالة فريدة من نوعها. للمرة الاولى هناك قبول عربي بكل ما تطلبه الادارة الأميركية يقابله رفض إسرائيلي تام للتجاوب مع اي مطلب يأتي من واشنطن. في الواقع، يشبه الوضع الراهن، الى حدّ ما، المرحلة التي سبقت انعقاد مؤتمر مدريد في اواخر تشرين الاول- اكتوبر من العام 1991. لكن الفارق كبير بين ادارة اوباما وادارة جورج بوش الاب التي اوقفت قروضا طلبتها حكومة اسحق شامير وقتذاك لمتابعة الاستيطان وجرّت شامير جرّا الى مؤتمر مدريد. سبق ذلك ارسال صواريخ quot;باتريوتquot; وطواقم أميركية تدير الصواريخ الى إسرائيل لمواجهة صواريخ quot;سكودquot; العراقية. لم يكن ذلك خيارا إسرائيليا في اي شكل. كانت الرسالة الصادرة عن واشنطن واضحة كل الوضوح. كان ممنوعا على إسرائيل المشاركة في الحرب التي ادت الى تحرير الكويت من الاحتلال العراقي كما كان عليها ان تفهم ان الولايات المتحدة دولة عظمى، بل القوة العظمى الوحيدة في العالم، وانها تقرر بنفسها كيف تكون حماية إسرائيل وانها تدرك ما هي مصلحة إسرائيل اكثر بكثير من حكومتها. من الناحية العملية، كانت تلك المرة الاولى في التاريخ التي يدافع غير إسرائيليين عن إسرائيل...
ما المعادلة التي تسود اليوم؟ بين العامين 1990 و1991 والعام 2010 تغيّرت طبيعة العلاقات بين إسرائيل والقوة العظمى الوحيدة في العالم، او ما يفترض ان يكون كذلك. تتصرف الولايات المتحدة هذه الايام وكأنها في إمرة إسرائيل. لم تمض ساعات على خطاب هيلاري كلينتون في عشاء quot;فريق العمل الأميركي من اجل فلسطينquot; حتى وسعت حكومة بنيامين نتنياهو عمليات الاستيطان وسرعتها اكان ذلك في القدس نفسها او في الضفة الغربية. حصل ذلك على الرغم من تأكيد وزيرة الخارجية ان الموقف الأميركي من الاستيطان quot;لم يتغيّرquot;.
في ضوء هذا التطور اللافت، بات يصح التساؤل من صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في الشرق الاوسط. هل هو أميركا ام إسرائيل؟ الخوف كل الخوف ان السياسة الإسرائيلية لا تؤدي سوى الى زيادة حدة التطرف في المنطقة. انها تصب بكل بساطة في تغذية كل ما من شأنه دعم الاعتدال وكل من يقول انه على استعداد لتفهم المواقف الأميركية. اما الوقوف مع السياسة الأميركية، فقد بات امرا مختلفا جدّا لا يتجرأ احد بين العرب على البوح به حتى داخل الغرف المغلقة.
هل يخطئ الفلسطينيون في الرهان على الادارة الأميركية وعلى ابقاء العلاقات وطيدة معها الى حدّ الاستجابة لطلب العودة الى المفاوضات المباشرة من دون وقف الاستيطان؟ الجواب بكل بساطة ان لا خيار آخر امامهم... الاّ اذا كانوا يريدون الانتحار. فبغض النظر عن الاستخفاف الإسرائيلي بادارة اوباما، يبقى الرجل رئيسا للولايات المتحدة، علما انه سيتوجب عليه ان يقرر قريبا هل هو على راس دولة عظمى ام ان هدفه الوحيد في الحياة اظهار انه مختلف عن جورج بوش الابن وان سياساته تتناقض كليا مع سياسات ادارة سلفه. هل يكفي ذلك لتكون هناك سياسة أميركية، ام انها وصفة مثالية للسقوط في لعبة التفرج على الاحداث التي يشهدها العالم من دون القدرة على التدخل فيها؟
في كل الاحوال، يتصرف الفلسطينيون بحكمة. عليهم حماية انفسهم من العزلة السياسية اولا في انتظار اليوم الذي سيتبين فيه هل انتصرت إسرائيل نهائيا على الولايات المتحدة ام ان الادارة الأميركية قادرة على تدجين بنيامين نتنياهو وحكومته..
التعليقات