عبدالله بن بجاد العتيبي


كان لدى أسامة بن لادن قناعة مستقرة منذ أمدٍ بعيدٍ مفادها أن اليمن هو الخيار الأفضل لانتقال تنظيم القاعدة من أفغانستان، وذلك نظرا لعوامل عدة؛ منها الطبيعة الجغرافية ومنها وجودها في الجزيرة العربية، ومنها الصراع السياسي في اليمن، ونحو هذا.
ولئن نشطت القاعدة في العراق أو في السعودية أو في لبنان -لفترةٍ من الفترات- فإن رهانها الاستراتيجي كان دائما على ثلاثة بلدان؛ أفغانستان وباكستان واليمن، وربما غير حضورها القوي في المغرب العربي، حيث مثلث الجزائر والمغرب ومالي من استراتيجيتها نوعا ما.
لقد تأخرت بعض الدول -فيما مضى- عن بذل الجهد المطلوب في محاربة القاعدة، لكنها اليوم تمنح كل ما لديها للتبرؤ من تهمة التعاون مع إرهاب القاعدة، وتأكيد تحالفها ضدها لدى المجتمع الإقليمي والعالمي.
ولئن أخطأت هذه الدول في حسابات الأرباح والخسائر في التعامل مع القاعدة، فإن السعودية لم تخطئ في هذا الشأن، لكنها خططت وسعت وأدارت المعركة بذكاء وحرفية عاليةٍ، فاستوعبت الصدمة الأولى وأعادت بناء استراتيجيتها بشكل واعٍ، فقضت على القاعدة في السعودية قضاء مبرما، ولاحقت فلولها المنتقلة لليمن، وها هي اليوم تثبت للعالم أجمع قدرتها على اختراق التنظيم في كل مكان، خاصة في اليمن، المعقل الجديد لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، ذلك التنظيم الذي أشغلها حينا من الدهر.
حين يعترف العالم بقدرة السعودية على مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، وإحباط عملياته، والوصول إلى خططه العملية وجرائمه المرتقبة ضد العالم، فهذا نجاح ضخم يحسب للسعودية وأجهزتها الأمنية، وذلك ما حدث حين شكر البيت الأبيض الرياض على تزويده بمعلومات كانت كفيلة باكتشاف الطرود المتفجرة في دبي ولندن والولايات المتحدة الأمريكية.
في فيلم ليوناردو دي كابريو حول القاعدة في العراق (جسد الأكاذيب) كان المصدر الإنساني العربي أقوى من كل التقنيات الأمريكية المتطورة، وحسم القضية وقضى على المشكلة من أساسها، وبعيدا عن الأفلام فقد كان القضاء على الزرقاوي (رأس قاعدة العراق) مهمة كان أساس نجاحها مصدرا بشريا أردنيا لا عن طريق التقنيات الحديثة.
في شأن آخر، تثور معركة تلو أخرى حول موضوع المواقع الإرهابية والأصولية، السماح لها بالوجود عبر الإنترنت بغرض جمع المعلومات كما ترى أمريكا، أو منعها كما ترى بريطانيا، وأحسب أن الرأي الأصح في هكذا نزاع يعتمد على مدى القدرة في تغطية هذا العالم الظلامي للقاعدة، وكذلك القوة المعلوماتية والعسكرية في منعه والتصدي له، فحين تكون الدول أضعف من أن تغطيه وتتعامل معه فإنها تلجأ لمنحه الحرية في التعبير والتأثير بغرض اكتشافه للتعامل معه، وحين يسود الشعور بالقدرة عليه فإن منعه يمثل خيارا أفضل للقضاء عليه.
يبقى سؤال كبير: هل ضعفت القاعدة؟ والإجابة هي نعم بالتأكيد، ويتلوه سؤال كبير آخر هو: هل انتهت القاعدة؟ والجواب هو لا بالتأكيد، وعلينا جميعا السعي لمزيدٍ من إضعافها وصولا إلى إنهائها.