وحيد عبدالمجيد

تسبب حضور السيدة التركية الأولي خير النساء جول حفل الاستقبالrlm;,rlm; الذي أقيم في القصر الجمهوري الأسبوع الماضي بمناسبة الذكري السابعة والثمانين لإعلان الجمهوريةrlm;,rlm;

في مقاطعة قادة الجيش العلمانيين هذا الحفلrlm;.rlm; لم يستطع الأمناء علي ميراث الجمهورية العلمانية الاتاتوركية تحمل حضور حفل تستضيفهم فيه السيدة الأولي مرتدية الحجاب الذي يعتبرونه أحد أهم الرموز المضادة لهذه الجمهوريةrlm;.rlm; ولذلك أقاموا حفلا منفصلا في الموعد نفسه بدعوة من قيادة الجيشrlm;.rlm;
وهكذا كانت ذكري الجمهوريةrlm;,rlm; التي أعلنت مساءrlm;29rlm; أكتوبرrlm;1923rlm; علي أنقاض السلطنة العثمانيةrlm;,rlm; هي المظهر الأكثر تعبيرا في الفترة الأخيرة عن الانقسام الذي يقسم الدولة والمجتمع في تركيا إلي شطرين غير متساويينrlm;,rlm; ولكنهما ليسا متباعدين من حيث الحجمrlm;.rlm;
ويقع حجاب المرأة في قلب هذا الانقسام علي نحو يجعله أكثر من مجرد رمز للتناقض بين الاتجاهين اللذين ينهل احدهما من خلفية دينية دون أن يجاهر برفضه العلمانيةrlm;,rlm; بينما يستمد الثاني تقاليده من مرجعية علمانية لا ترفض الدين بل تحترمه وتري في تحييده علي المستوي السياسي ما يصونه ويحافظ علي الدولة في آن معاrlm;.rlm; فلا خلاف بين الاتجاهين علي الإسلام ديناrlm;,rlm; بدليل أن قرار إعلان الجمهورية العلمانية في المجلس الوطني قبلrlm;87rlm; عاما نص علي أن الإسلام هو دينها والتركية هي لغتها الرسميةrlm;.rlm; ولكن هذا الإعلان نفسه كان الخطوة قبل الأخيرة في عملية دفن الرجل المريضrlm;.rlm;
فبعد إلغاء السلطنة في نوفمبرrlm;1923,rlm; وتهميش مركزها في استانبولrlm;(rlm; الأستانةrlm;)rlm; ونقل العاصمة إلي انقرةrlm;,rlm; ألغيت الخلافة رسميا بعد ستة أشهر فقط علي إعلان الجمهورية العلمانية التي سعت إلي حصر الدين في الحيز الخاص للأفراد وإبعاده عن المجال العامrlm;.rlm;
وشمل ذلك حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة بما فيها الجامعات والهيئات الحكوميةrlm;.rlm; ومنذ ذلك الوقتrlm;,rlm; صار الحجاب هو الرمز الأكثر بروزا للصراع بين الاتجاهين العلماني والدينيrlm;.rlm; فالحجابrlm;,rlm; في هذا السياقrlm;,rlm; ليس مجرد قطعة قماش صغيرة تغطي رأس المرأة بل قطعة رمزية ذات دلالة كبري في معركة تختلط فيها الرموز بالحقائق في بلد منقسم بين خيارين أثبت احدهما في السنوات الأخيرة قدرته علي التقدم بخطي ثابتة باتجاه أسلمة المجتمعrlm;,rlm; بينما يحاول الثاني التشبث بميراث جمهورية مصطفي كمال أتاتوركrlm;.rlm;
ولذلك يتعامل القابضون علي العلمانية مع معركة الحجاب بجدية شديدةrlm;,rlm; ويرفضون الاستهانة برمزية حجاب السيدة الأولي خير النساء التي قد تتجاوز أهميتها الكثير من الحقائقrlm;,rlm; مثلما تعاطي دعاة أبناء الخلافة الإسلامية قبل ما يقرب من تسعة عقود مع سفور لطيفة هانم أول سيدة أولي في الجمهورية التركية حين كانت تذهب إلي مقر البرلمان وتحضر المناسبات الرسمية وتستعرض الجنود بجوار زوجها أتاتورك وهي سافرة أو مرتدية قبعتها الأوروبيةrlm;.rlm;
فكان أنصار الميراث الإسلامي العثماني يتألمون حين يرون ثياب لطيفة هانم الحديثة الغربية الطابعrlm;,rlm; مثلما يشعر دعاة المحافظة علي الميراث الاتاتوركي اليوم بالتعاسة حين يشاهدون حجاب السيدة خير النساءrlm;.rlm; فيالهم من تعساء أولئك العلمانيين الأتراك وهم يشعرون بأن ما فعله زعيمهم التاريخي مصطفي كمال أتاتورك يضيع يوما بعد يومrlm;.rlm;
لم يكن أي منهم يتصورrlm;,rlm; قبل عشر سنوات فقطrlm;,rlm; أن الحجاب سيقيم في القصر الذي يرمز للجمهورية العلمانيةrlm;,rlm; كانت صدمتهم الأوليrlm;,rlm; في هذه المعركة الرمزية ــ الفعليةrlm;,rlm; عامrlm;2003rlm; عندما فوجئوا بزوجة رئيس البرلمان حينئذ بولنت أرفيتش حاضره بحجابها في مراسم وداع الرئيس السابق أحمد نجدت سيزر في مطار أنقرة لدي مغادرته إلي براج للمشاركة في قمة للحلف الأطلسيrlm;.rlm;
نزل الحجاب الذي يتوج رأس زوجة رئيس البرلمان كالصاعقة علي رؤوسهمrlm;,rlm; خصوصا وأن زوجها تولي في تلك اللحظة مهمات رئاسة الدولة العلمانية بالوكالة بسبب غياب الرئيس في الخارج وفق ما ينص عليه الدستور ومنذ ذلك الوقتrlm;,rlm; صار الحجاب مصدر مشكلة بروتوكولية تعبر عن المعركة الرمزية التي تختزل الصراع في تركياrlm;.rlm; فقد أصبح معظم كبار المسئولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية متزوجين من سيدات محجبات يفترض أن يحضرن معهم المناسبات الرسميةrlm;.rlm; كما أن بعض هؤلاء لا يحبذون وجود نساء سافرات في بعض المناسباتrlm;,rlm; كما حدث مثلا في يونيوrlm;2006rlm; عندما حضر رئيس البرلمان جلونت ارنج حفلا بمناسبة افتتاح مركز طبي للمعاقين في محافظة تونجليrlm;.rlm;
وكان برنامج الحفل يتضمن فقرات فنية من بينها عرض تقدمه فرقة الرقص الشعبي في المحافظةrlm;.rlm; وبادر محافظ تونجلي بمطالبة فتيات الفرقة بارتداء الحجاب خلال أدائهن العرضrlm;,rlm; الأمر الذي أثار غضبا واسعا في أوساط العلمانيينrlm;.rlm;
غير أنه حتي ذلك الوقتrlm;,rlm; ظل حضور الحجاب علي رأس السيدة الأولي في القصر الجمهوري في ذكري إعلان الجمهورية بعيدا عن خيال من يعتبرونه أحد الرموز المضادة لهذه الجمهورية
ظل القصر الجمهوري حصيناrlm;,rlm; حتي ذلك الوقتrlm;,rlm; في مواجهة الحجاب الذي صار علي رأس زوجات رئيس الوزراء والبرلمان وكثير من الوزراء منذ عامrlm;.2002rlm; فقد تجنب الرئيس السابق سيزر دعوة الزوجات في أية مناسبة دعي إليها رئيس الوزراء في هذا القصرrlm;.rlm; ولم يتصور العلمانيون مجرد وجود السيدة خير النساءrlm;,rlm; حين كان جول رئيسا للوزراءrlm;,rlm; ثم السيدة أمينة زوجة رجب طيب أردوغانrlm;,rlm; والحجاب علي رأسها لمدة ساعة أو ساعتين فقط في القصر الجمهوريrlm;,rlm; فيالتعاستهم عندما يفرض عليهم التعايش مع إقامة السيدة خير النساء بحجابها في هذا القصر باعتبارها سيدته لمدة سبع سنواتrlm;,rlm; منذ أن فاز عبد الله جول في الانتخابات الرئاسية ودخل هذا القصر فيrlm;16rlm; مايوrlm;2007rlm; بصحبتهاrlm;.rlm;
وبالرغم من أن ذلك اليوم كان نقطة تحول في تاريخ تركيا الحديثةrlm;,rlm; وليس فقط في معركة الحجابrlm;,rlm; مازال العلمانيون يقاومون التعايش مع وضع لا يستطيعون تحمله وهو أن يحيوا ذكري الجمهورية العلمانية في ضيافة الحجاب الذي يعتبرونه تحديا لهذه العلمانيةrlm;.rlm;
وهكذاrlm;,rlm; فإذا كانت المسافة الزمنية بين السيدة الأولي لطيفة أتاتورك والسيدة الأولي خير النساء جول تقترب من تسعة عقودrlm;,rlm; فالمسافة السياسية ـ الفكرية التي ينطوي عليها الاختلاف بينهما تبدو أكبر بكثيرrlm;.rlm; وما قضية السفور والحجاب إلا المعركة الرمزية الأكثر تعبيرا عن هذا الاختلاف بما تمثله من صراع بين خيارين للدولة والمجتمعrlm;,rlm; وليس بين نوعين من لباس المرأةrlm;.rlm;