ليونيد ألكسندروفتش


لست معنيا بتبرئة ساحة طارق عزيز أو الدفاع عنه. لكننا بالتأكيد لابد أن نحاول فهم واستيعاب خلفيات قرار حكم الإعدام الصادر بحق واحد من أبرز دبلوماسيي فترة حكم صدام حسين، والذي لم يشارك في أي معارك أو تصفيات سياسية.

وذلك بعد أن حكم عليه بالسجن منذ عام ونصف. بل وبعد سنوات طويلة من الصمت، لم يتم التعرض خلالها لدور طارق عزيز.

لقد اعتبر البرلمان الروسي في بيان رسمي أصدره أن قرار إعدام طارق عزيز مؤسف ومثير للتساؤلات، وأنه سيؤدى إلى إحداث الفرقة في صفوف الشعب العراقي وتصعيد التناقضات والخلافات فيه، والأهم من هذا كله هو أن ذهابه سيؤدي إلى إخفاء الحقيقة حول الحرب في العراق.

إضافة إلى هذا فإن القرار سيجعل من المستحيل معرفة العديد من حقائق التاريخ المعاصر للعراق، ومن بينها أسباب هذه التصرفات أو تلك للقيادة العراقية السابقة، وكذلك الولايات والمتحدة وغيرها من الدول المشاركة في الأحداث الدراماتيكية في منطقة الخليج في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين.

واعتبر نواب البرلمان الروسي أنه في ظل نقل السلطة الكاملة إلى الشعب العراقي، لابد وأن تفشل أية محاولة لإرساء دعائم الديمقراطية عن طريق إهدار حقوق الإنسان.

العديد من السياسيين الروس الذين تابعوا عملية إعدام صدام حسين أعربوا عن قلقهم من أن تتم عملية مماثلة بحق طارق عزيز رغم انه مريض، وأصبحت قدرته على الكلام والحركة شبه معدومة، وتضرب بعرض الحائط بكافة القوانين في ظل الفوضى السياسية التي تخيم على العراق.

ولابد من الإشارة إلى أن طارق عزيز الذي قاد الدبلوماسية العراقية على مدار ثماني سنوات(1983-1991) أعرب منذ البداية عن قناعته بأن حرب الولايات المتحدة ضد العراق تستهدف تغيير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وتسعى لتحقيق سيطرة الشركات الأميركية على النفط العراقي.

واعتبر حديث واشنطن عن وجود أسلحة دمار شامل في الترسانة العراقية laquo;بدعةraquo; الهدف من ورائها تبرير الدخول في العراق. وتبين فيما بعد أن العمليات العسكرية الأميركية ضد العراق ودخول القوات إلى هذا البلد تمت استنادا إلى أكذوبة كبرى، إذ لم يتم اكتشاف أسلحة للدمار الشامل، ولم يرصد وجود لمنظمة القاعدة.

بل أن ظهور خلايا منظمة القاعدة ترافق مع احتلال القوات الأميركية للعراق، ولم يكن هناك أي وجود لا للقاعدة ولا لأي تنظيمات إرهابية مشابهة، حتى إيران لم تستطع أن تخلق في العراق في عهد صدام ما لها هناك الآن.

السؤال المثير الآن هو (لماذا قررت السلطة في العراق اليوم إعدام طارق عزيز؟)، يبدو أن هذا القرار ليس أكثر من محاولة للتغطية على فضيحة الوثائق العسكرية الأميركية العسكرية التي نشرها موقع laquo;ويكيليكسraquo; عن الحرب في العراق.

لقد كشفت هذه الوثائق عن تورط عدد من القيادات السياسية العراقية الحالية في انتهاكات ارتكبت بحق العراقيين وصفها أحمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة، بأنها ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. بل وطالب بملاحقة الذين اقترفوا هذه الجرائم والتحقيق في جرائمهم.

لقد كشفت هذه الوثائق عن الإعداد لمحاولة اغتيال لرئيس الوزراء العراقي السابق وزعيم قائمة العراقية إياد علاوي بسيارة مفخخة، ومسؤولية القوات الأميركية عن مقتل مئات المدنيين الأبرياء على حواجز جيشها بالعراق، والسيارات التي كان يتم تفخيخها ووضع العبوات المتفجرة فيها بدون علم من يقودها.

ثم يتم تفجيرها عن بعد وقائدها فيها، خاصة وأن معظم السيارات المفخخة التي انفجرت كانت قد تعرضت للإيقاف والتفتيش من قبل القوات الأميركية قبل انفجارها بساعات محدودة، كما أن القوات الأميركية متهمة بالتغاضي عن عمليات قتل وتعذيب كان يمارسها الجيش والشرطة العراقيان.

لايمكن القول بأن الوضع يختلف كثيرا بين سلطة صدام حسين والسلطة العراقية الحالية، وتكشف الأحداث عن أن بعض القوى السياسية العراقية اليوم تعتمد أسلوب التصفيات في حسم صراعاتها.

وبدلا من الالتفاف لحل الأزمة السياسية الناجمة عن منطق غير مفهوم أسفر عن بقاء العراق عدة شهور بدون حكومة، يلجأ البعض لذر الرماد في عيون الناس بإصدار أحكام دموية لا تختلف عن أحكام صدام ضد خصومه السياسيين.

لاشك أن هذه التطورات التي ليست جديدة، تتصاعد وتزداد مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، مما يدفعنا لتساؤل مشروع ماذا حققت واشنطن من حملتها العسكرية في العراق؟

أو ماذا أرادت أن تحقق واشنطن في هذه الحملة؟ وهل تدمير البنية التحتية لهذا البلد والقضاء على قدراته الاقتصادية والعسكرية وإشاعة الفوضى فيه، كانت الأهداف السرية لهذه الحملة؟، ولماذا وافقت واشنطن على إعدام صدام في العراق ولم تأخذه عندها في جوانتانامو أو غيرها، والآن لماذا يعدمون العجوز المريض طارق عزيز؟