علي الغفلي

فشلت المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني وrdquo;الإسرائيليrdquo; التي كانت قد بدأت في شهر أغسطس من هذا العام، تماماً كما فشلت قبل ذلك المفاوضات غير المباشرة التي كانت قد بدأت بين الطرفين في شهر مايو/ أيار . نحن أمام حالتين من الفشل الدبلوماسي المدوي في غضون أقل من ستة أشهر، وهذا يعتبر إخفاقاً مؤلماً في جهود التسوية السلمية للصراع الفلسطيني ldquo;الإسرائيليrdquo;، والذي صار، من أسف، يختزل الصراع في منطقة الشرق الأوسط . وإن كانت حالتا الفشل المتتاليتان تمثلان ضربة موجعة لدبلوماسية إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه واحدة من أكثر المسائل الدولية إلحاحاً، فالحقيقة هي أن إخفاق جهود المعالجة الدبلوماسية للصراع بين العرب وrdquo;إسرائيلrdquo; كان قد ظل محصلة ملازمة لمشروع دبلوماسية السلام طيلة العقدين المنصرمين .

يشمل السجل المختصر لإخفاقات دبلوماسية التسوية محطات مهمة، مثل فشل مؤتمر ldquo;أنابوليسrdquo; في عام ،2007 وفشل ldquo;خارطة الطريقrdquo; في عام ،2003 وفشل المبادرة العربية في عام ،2002 وأيضاً فشل قمة كامب ديفيد في عام ،2000 ربما لا يشعر أوباما باستياء كبير، إذ إن دبلوماسية التسوية الخائبة التي تطاله الآن كانت قد طالت كلاً من جورج بوش الابن وبيل كلينتون قبله، وأغلب الظن أن أي رئيس أمريكي على شاكلة هؤلاء الثلاثة سوف يكتوي بنار فشل الدبلوماسية في تسوية الصراع بين العرب وrdquo;إسرائيلrdquo; . وفي الوقت الذي يمكن للرئيس السابق بوش أن يهنئ نفسه بأنه كان قد حرص على الأقل على المباعدة بين فشله في عام 2003 وعام 2007 بمسافة أربع سنوات، ويمكن للرئيس الأسبق كلينتون أن يجد العزاء في الاعتقاد أن فشله قبيل انتهاء ولايته الثانية في عام 2000 قد جاء على الأقل بعد تحقيق إدارته نجاحين نسبيين في إطار اتفاقات أوسلو في عامي 1993 و،1995 فإنه ليس أمام الرئيس أوباما إلا أن يلوم نفسه على تحقيق فشلين متتاليين في غضون خمسة أشهر فقط .

يبدو الرئيس أوباما الأكثر إثارة للشفقة المؤسفة حين مقارنة أدائه مع الرؤساء الأمريكيين السابقين بخصوص الصراع بين العرب وrdquo;إسرائيلrdquo;، ولكن هذه الشفقة لا تخلو في الوقت ذاته من الغيظ تجاه مقاربته لأساليب وألاعيب رئيس الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; نتنياهو . لم يتمكن أوباما من التخلص من صفة الانقياد المشين وراء رغبات الحكومة في تل أبيب، وربما كان الواقع أنه لم يبذل جهداً حقيقياً في هذا الصدد، على الرغم من أن تكاليف ذلك الانقياد بالنسبة للعالم والولايات المتحدة والفلسطينيين كانت قد أصبحت ثقيلة وجلية من خلال التواطؤ الجائر الذي وفرته إدارة سابقه الرئيس بوش مع الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; . وسمح أوباما أيضاً لأولوية إعادة رسم خطوط العلاقة بين الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo; وفق معايير أكثر عدالة وإنتاجية أن تفلت من مهمة التغيير التي رفع شعارها وأسهمت في إيصاله إلى سدة الحكم في المقام الأول .

فشل الرئيس أوباما غير مبرر على الإطلاق، ولا يمكن التماس العذر له بأي حال من الأحوال . شكل العنف المتبادل بين الفلسطينيين وrdquo;الإسرائيليينrdquo; السبب الرئيسي لانهيار مفاوضات السلام بين الطرفين في أغلب الحالات التي تعثرت فيها دبلوماسية تسوية الصراع ضمن إطار عملية السلام في الشرق الأوسط في العقدين الماضيين . كان العنف المباشر الذي تسبب في إيقاع الآلاف من القتلى والجرحى في الجانبين هو العامل الأساسي الذي يتسبب في نسف طاولة المفاوضات، أو تعليق المحادثات، أو التسبب في نشر اليأس المستبد حيال إمكانية التوصل إلى اتفاقات سلام من أي نوع . على الرغم من فداحة التداعيات المدمرة للعنف المتبادل، كانت الإدارات الأمريكية السابقة تجد على الدوام وسيلة ما للمحافظة على زخم المفاوضات، والدفع بها نحو تحقيق إنجاز من نوع ما . إن هذا التوصيف يجعل فشل إدارة أوباما يبدو ضخماً، وذلك لأن العنف المدمر، خاصة من قبل الجانب الفلسطيني، قد ظل غائباً إلى حد بعيد خلال العامين الماضيين، ولا يمكن اعتبار الصواريخ العشوائية البدائية التي تنطلق على فترات متباعدة جداً من قطاع غزة تحدياً حقيقياً للتسوية السلمية يمكن أن يلتمس المرء من خلاله العذر لإخفاق أوباما الشنيع في الدفع بالتسوية إلى الأمام .

إن العقبة التي تبدو قائمة أمام السير بالتسوية السلمية إلى الأمام تتجسد في إصرار حكومة نتنياهو على الاستمرار في بناء المستوطنات اليهودية، ورفضه كافة المطالب الدولية بتجميد أنشطة الاستيطان . تتوفر أمام الرئيس أوباما فرصة غير مسبوقة من أجل اتخاذ خطوة جوهرية تمهد الطريق أمام التوصل إلى تسوية رئيسية للصراع بين العرب وrdquo;إسرائيلrdquo;، على الأقل في الشق المتعلق بالمسار الفلسطيني منه . إن كان استمرار أنشطة الاستيطان في الأراضي المحتلة يمثل عقبة أمام التسوية السلمية، فإنها عقبة مصطنعة، وغير قانونية، وهي تافهة، لأنها جائرة، وينبغي لذلك أن يسهل أمام الرئيس أوباما تخطيها، بل وسحقها .

يضحي الرئيس أوباما بجانب كبير من عقلانيته الشخصية حين يتفهم إصرار حكومة نتنياهو على متابعة الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في الوقت الذي يتعين عليه أن يفرض الفهم القانوني على نوازع النهب الصهيوني في هذا الخصوص . ويبدد أوباما أيضاً قدراً هائلاً من مكانته الرئاسية حين يسمح لكل من رؤيته وإرادته القياديتين بالانجرار وراء العزيمة القيادية التي ينجح نتنياهو في فرضها حتى الآن، في الوقت الذي يتعين عليه أن يمسك بزمام الأمور ويحرص على إدارة دفتها . إن مسلسل الاختزال المتدهور مستمر، فقد اختزل الصراع بين العرب وrdquo;إسرائيلrdquo; إلى مجرد صراع بين الفلسطينيين وrdquo;إسرائيلrdquo;، وهذا بدوره يتم الآن اختزاله في إطار الصراع بين تجميد الاستيطان اليهودي واستمراره، وهو صراع مصطنع اختلقه نتنياهو، وعلى الرغم من ذلك لا يتمكن أوباما من ممارسة أي دور قيادي حقيقي . لا ندري إلى أي مدى يجب أن يتم اختزال وتبسيط الصراع في المنطقة حتى يتمكن هذا الرئيس الأمريكي من ممارسة عقلانيته الشخصية وقيادته الرئاسية .