الصحافة الاردنية تطالب بإجابة وطنية على ظاهرة عزوف الاردنيين من اصل فلسطيني عن المشاركة في الانتخابات ومؤشرات العنف الاجتماعي التي رافقت الاقتراع

عمان

تفاعلت الصحافة المحلية في الاردن طوال الاسبوع الماضي مع تفاعلات الانتهاء من ملف الانتخابات العامة وطرح بعض الكتاب تساؤلات اساسية حول بعض التجاوزات الادارية التي شهدتها عملية الانتخابات، فيما تنطحت الصحف اليومية الكبرى عمليا للرد على تشكيك الاسلاميين بنزاهة الانتخابات.
وردت صحيفة 'الدستور' في افتتاحية خاصة لها على المشككين الذين قالت انه لم يعجبهم تعبير الاردنيين عن طموحاتهم بانتخابات نزيهة شهد لها القاصي والداني، محذرة الاصوات التي تشكك بالنتائج من ان الشعب الاردني يعرفها تماما ويعرف اغراضها، كما هاجمت 'الرأي' بنفس الطريقة رموز الحركة الاسلامية وكل من شكك بنزاهة الانتخابات.
ونشرت صحيفة 'العرب اليوم' تقريرا مثيرا للصحافي وليد حسني عن ارتفاع غير منطقي وغير مبرر في عدد الاصوات الانتخابية حصل في الدقائق العشر الاخيرة في بعض الصناديق الانتخابية خصوصا في دائرتي بدو الوسط والبلقاء، فيما امتنعت الحكومة رسميا عن التعليق على كل مسارات التشكيك بالانتخابات او الاشادة بنزاهتها.
وفي صحيفة 'الغد' تحدث الكاتب محمد ابو رمان عن ظواهر ومؤشرات مقلقة حملها المشهد الانتخابي الاخير، مطالبا بدراسة اكثر عمقا وتحليلا يستفيد منها 'مطبخ القرار' في قراءة التحولات الجارية والاستراتيجيات المطلوبة واولها هو عزوف الاردنيين من اصل فلسطيني في المدن الكبرى، عن التصويت والاقتراع، وهو ما انعكس على النسبة المنخفضة في تمثيلهم اذ تقدّرها اوساط رسمية بـ12 بالمئة، ما يعني ان التصويت كان محدودا جدا.
وقال ابو رمان: بعض التفسيرات الرسمية الاولية تمتاز بطابع سطحي، فيما تذهب القراءة الرئيسة الى ربط ذلك بمقاطعة جماعة الاخوان المسلمين، وتلك القراءة منطقية ومتماسكة الى درجة كبيرة، لكنها تحتاج ايضا الى قراءات اخرى لا تقل اهمية تتمثل بخيبة الامل والاحباط العامة، وايضا 'المنطقة الرمادية' التي يجد الاردني من اصل فلسطيني نفسه فيها مع الدولة، فهو لا يعرف ماذا تريد الدولة منه! فتارة يراد له ان يكون 'مواطنا صالحا' يقوم بكافة واجباته ويدفع ضرائبه، لكنه في المقابل يخشى من سحب رقمه الوطني عندما يريد تجديد هويته او جواز سفره او القيام باجراءات اخرى.
وقال الكاتب: مع ما تثيره هذه القضايا من حساسيات واسئلة كبرى لا نجد هنالك حوارا مباشرا وعقلانيا وتوافقا تقوده الدولة على 'المعادلة الذهبية' التي توازن بين سؤال المواطنة وحق العودة والهوية السياسية للدولة! و'المنطقة الرمادية'، بالمناسبة، تفسر ايضا مشهد العنف والاحتجاج الذي تفجّر في يوم الانتخابات وما يزال جاريا، من الاردنيين (من اصول اردنية)، وقبل ذلك في رداءة الخطاب السياسي الذي تغلّف بالعصبويات العشائرية الضيقة، وابتعد تماما عن اي طرح سياسي منطقي.
وختم ابو رمان قائلا: ما بين 'احتجاج صامت - رمزي' مارسته شريحة واسعة من المجتمع بعزوفها عن التصويت، واحتجاج عنيف ولدته اسئلة معقدة من علاقة الشريحة الاخرى بالدولة، فانّ قراءة ما حدث في المشهد الانتخابي تستدعي الاعتراف اولا بحجم الازمة السياسية وعمقها، وهي الخطوة الاولى في التفكير باستعادة المبادرة واحداث فرق نوعي في المسار الحالي.
وفي صحيفة 'الدستور' دعا الكاتب الاسلامي حلمي الاسمر لتجاوز الندب والبكاء بمناسبة العيد، وقال: المناسبة ليست مناسبة ندب وتحسر وبكاء على الاطلال، بل مجرد تذكر ان ثمة عيدا مباركا عزيزا على قلوبنا جميعا، يستدعي استدعاء كل ملفات الاعياد السابقة على رأسك، ولا تكاد تتذكر منها كلها الا مفارقة جارحة حد الفجيعة، فالعيد اصلا مناسبة للشعور بالاحتفال، ورؤية الاقارب والاهل واجتماع شمل الاسر، لكن بالنسبة لي تحديدا، ولربما ملايين غيري، مناسبة لتفقد الغياب، كما يتفقد مربو الصف تلاميذهم الغائبين. منذ خمسين عيدا او اكثر، لم يلتئم شمل اسرتي تحديدا، وفي كل عيد كانت الوالدة والوالد - يرحمهما الله - يحتفلان بالعيد بذرف الدموع، الوالدة على ابنتها التي سافرت من طولكرم الى عمان ولم تعد ابدا، فقد ماتت ذات شتاء، والوالد على شقيقه الذي فرقت بينهما النكبة، فسافر الى مصر، وحين سافرتُ لرؤيته على امل ان اجمع بين الشقيقين لم اجده، فقد ترجل من هذه الدنيا، وما لبث ان لحق به شقيقه، فلم يجتمعا لا في عيد ولا في مأتم.
الادهى والامر ـ يشرح الاسمر- ان هناك ماكينة نشطة تعيد انتاج النكبة، بطبعات عربية مزيدة ومنقحة، فهناك طبعة جديدة من النكبة الفلسطينية الاولى انتجت في العراق، تضمنت تشتيتا للاسر، وانتاج المزيد من الايتام، والذكريات السوداء، لاستدعائها للبكاء عليها في الاعياد والمناسبات الوطنية والقومية، وهناك طبعة ثانية من النكبة الفلسطينية، ولكن هذه المرة يشارك في صناعتها رفاق الدم والهم والغم، وهناك طبعة جديدة وربما تكون موسوعة كاملة بصدد تنقيحها ومراجعتها قبل النشر في بيروت، منارة العلم والفكر الحر النير، والخشية ان تكون هناك مطابع سرية تستعد لاعادة طباعة نسخ اخرى من النكبة، في اماكن سرية او اقبية سوداء.
وفي صحيفة 'الرأي' قال الكاتب طارق المصاروة ان من لا ينتخب لا نائب له. وبالمقابل فالذين شاركوا في الانتخابات هم الذين انتدبوا من يمثلهم تحت القبة. اما القول بأن ثلاثين نائبا لا حق لهم في مقاعدهم، وان ثلاثين لم ينجحوا رغم انهم اخذوا اصوات النجاح، فهذه احجية.. ذلك ان الحكومة التي اجرت الانتخابات قالت ان نسبة الناخبين هي 53 بالمئة من الجسم الانتخابي، وان الذين ترشحوا فرادى، فتوزعت الاصوات، وكان يمكن لو انهم ترشحوا في قوائم حزبية لما ضاعت اصوات كثيرة. فإذا كان مجلسنا النيابي يحمل تمثيل نصف مليون، فذلك في كل الاعراف مجلس يمثل ارادة الشعب.
واضاف المصاروة: الذين لا يؤمنون بأن صوت الناخب هو صوت واحد، يؤمنون بان صوت الناخب يمكن ان ينتخب، في دائرة كبيرة، اثني عشر نائبا. لو احصينا عدد الاصوات التي حازها نواب المجلس عام 1989 لوجدنا انها تزيد على عدد سكان الاردن.
وقال: لا تستطيع الحكومات ان تنتخب عن سكان لا يمارسون حقهم الانتخابي. ولا يستطيع اي حزب مقاطع ان يضع هذه النسبة في خانة 'مكاسبه' ولعل اكثر الذين لم يأخذوا حقهم الانتخابي مأخذ الجد كانوا يتحججون على المتاجرة بالدين، والمتاجرة بعقيدة الوحدة والحرية، والمتاجرة بالماركسية اللينينية فاحتجاج الاكثرية ليس لمصلحة احد، ولعل نسبة الذين اقترعوا في الاردن لا تختلف كثيرا عن نسبتها في الولايات المتحدة، او الهند الدولة الديمقراطية الاكبر في العالم.