محمد سلمان العبودي
هناك خبر سوف يفرح العالم عن قريب. ولا يتعدى هذا الخبر حجم الفيروس الذي لا يمكن رؤيته بأي وسيلة عينية ممكنة كالمجهر الالكتروني مثلاً. وهذا الفيروس لحسن الحظ لا يصيب البشر ولا الكائنات الحية. ولا يصيب إلا أجهزة الحاسوب فقط لا غير. فهو لا يتعدى كونه مجرد رموز حسابية الكترونية ستغير مجرى التاريخ في الزمن القادم. وأطلق على هذا الفيروس اسمه Stuxn.
أما لماذا سيكون مفرحاً للعالم، فذلك لأنه سيشكل آخر صرعة في نمط الحروب القادمة دون أن تسيل قطرة دم واحدة ودون أن يقتل جندي واحد. فأكثر ما يفزع الشعوب عادة هي الحروب، وأقسى ما في الحروب وما يرعب المحاربين أكثر من الموت نفسه هو رؤية تفجر سائل الدم من جسد الكائن البشري وما يصاحبه من ألم غير محتمل (تخيل نفسك فارساً مبتورة ساقه في وسط المعركة أو مصاباً بقذيفة في وجهه ؟ لا قدر الله).
وكما كنا نشاهد على شاشات عروض السينما من أفلام تاريخية تصور حروب القرون الوسطى وما قبلها وما بعدها بما فيها من وحشية، وكيف تتطاير رؤوس المحاربين وسواعدهم وسيقانهم وينتثر الدم حتى يصل إلى حضن المشاهد نفسه الذي يفزع ويكاد يغمى عليه، فكل هذه المناظر قد تختفي تماماً بعد عشرين سنة من الآن.
إن شكل الحروب تطور مع مرور الزمن. فبعد حروب ما قبل التاريخ التي اعتمدت على العصا والحصا، تحولت إلى السهام المصنوعة من الحجر الصلد ثم من الفولاذ.
ومما لا شك فيه فإن جميع شعوب العالم كانت تشن حروبها لتصفيات حساباتها أو للسيطرة على مساحات جغرافية جديدة تضاف إلى أراضيها طمعاً. غير أن أكثر شعوب حضارات التاريخ القديم حروباً من حيث المدة الاستمرارية والتقنية هم الفرس واليونانيون والرومان ويأتي بعدهم العرب، فكان لزاماً اكتشاف تقنيات جديدة والتفنن فيها لهزم الأعداء. وبذلك اكتشف الإغريق آلة المنجنيق.
وكان المنجنيق اكتشاف مذهل غير شكل الحروب في ذلك الوقت. فتساقطت القلاع والحصون بعد أن ظلت تقاوم لسنين طويلة. وكما شكل المنجنيق ثورة في تاريخ الحروب، فقد اكتشف العرب فيما بعد البارود ليضيف إلى سلاح المحاربين فعالية أكبر في التدمير والقتل. ويذكر أن أقدم تاريخ لاستخدام البارود من قبل العرب يعود إلى عام 690 ميلادية أثناء حرب الزنج.
أما أسوأ استخدام له فقد كان في الحرب العالمية الأولى والثانية. حيث استخدم بكثافة فدك حضارة أوروبا المدنية دكاً وسواها بالأرض تاركاً الملايين من البشر بين قتيل وجريح ومقعد.
ولم يأخذ العالم عبرة من نتائج الحربين العالميتين فتسابقوا على امتلاك أخطر سلاح استخدمه البشر في تاريخهم ضد جنسهم وهو السلاح النووي الذي جربته الولايات المتحدة الأميركية على البشر لأول مرة على الشعب الياباني.
وتطور هذا السلاح حتى وصل إلى تقنيات دقيقة لا يمكن الحصول عليها إلا بشق الأنفس. وأصبح كل من يملك سلاحاً نووياً واحداً كمن يملك النصر المحتم. أو الدمار المحتم. وتسارعت الدول على امتلاكه لضمان أمنها القومي.
الواقع أن من لم يجرب الحرب لا يعرف معنى الحرب. ومن لم يحارب لم يطعم مرارة الفزع من الدم والموت. وربما كانت الحروب أقسى ما تكون على قلوب الآباء منها على جسد المحاربين أنفسهم.
فليس من السهل أن ترى الأم ابنها يذهب إلى حرب قد لا يعود منها أبداً. وليس من السهل على أب أن يرى ابنه الوحيد يؤخذ إلى حرب قسراً وربما عاد منها ملفوفاً في كفنه. وليس أدل على ذلك ما تنقله وسائل الإعلام الغربية بين الحين والآخر لصور لعائلات قتلى الجنود الأميركيين وهم يستقبلون توابيت فلذات قلوبهم.
اليوم وصل بنا تاريخ الحروب إلى أبعاد جديدة في مجال اكتشافات الأسلحة القتالية. الحروب الالكترونية. وربما سيغمر هذا الخبر الجميع بالفرح. فقد لا تراق بعد عشرين سنة من الآن قطرة دم واحدة.
وستكون الحروب القادمة أشبه بعلبة الفيديو المعقدة من خلال تدمير وسائل العدو الحربية بإطلاق فيروس يحول آلته إلى مجرد جهاز لا يعمل. وكما نعلم فإن كل أسلحة الحروب الحديثة تعتمد على أنظمة الحاسوب في تشغيلها. حتى إطلاق القنابل من الطائرات الحربية وإصابة الهدف لم تعد تعتمد على مناورات قائد الطائرة كما كان يحدث في زمن الحرب العالمية الأولى والثانية، وإنما على المبرمج الذي يجلس بجانبه.
وإن حركة وسرعة الطائرات الحربية لم يعد لها أثر على إصابة الهدف، فكل شيء يسير وفق حسابات الحاسب الآلي المثبت في تلك الطائرة. وطالما انبهرنا (للأسف الشديد) في الحرب على العراق ونحن نشاهد على شاشة صغيرة مثبتة أمام الطيار كيف يتم تحديد الهدف مهما صغر حجمه وتوجيه القذيفة المدمرة نحوه بدقة متناهية وإصابته بينما الطائرة الحربية تسير بسرعة تتجاوز سرعة الصوت.
هذه التقنية القتالية التي انبهرنا قبل عشرين سنة مضت، قد لا تعود صالحة للاستخدام الحربي بعد عشرين سنة قادمة. فالدول سوف تنتصر وتهزم وهي جالسة في بيوتها. كل ذلك بفضل فيروس غير مرئي اسمه: ستكسنت!
وكما جربت الولايات المتحدة القنبلة الذرية لأول مرة على هيروشيما قبل خمسة وستين عاماً، أعادت اليوم تجربتها ولكن بخسائر صفر (من الناحية البشرية) على جمهورية إيران الإسلامية. فقد استطاع هذا الفيروس على ما يبدو إصابة بعض أجهزة النظام الالكتروني في مفاعل بوشهر النووي رغم نفي السلطات الإيرانية لهذا الخبر. وميزة هذا الفيروس أنه يوهم العدو بأن أجهزته تعمل بشكل طبيعي، بينما هي ليست كذلك.
وأياً كان الخبر، صحيحاً أم مجرد حرب نفسية، إلا أن مجرد فكرة الانتقال من الحرب المدمرة بشرياً ومدنياً إلى الحرب الالكترونية التي لا تضر سوى الأجهزة يجعلنا نستبشر خيراً.
ونتمنى أن يفكر العرب هذه المرة في استعادة بعض عقولهم العلمية المهاجرة والعودة إلى الوطن لمحاولة وضع خطط الكترونية هجومية ودفاعية لهذا الفيروس العجيب، لهزيمة إسرائيل فيروسياً بعد أن فشلوا في هزيمتها عسكرياً.
خاصة وأن الفيروس لا يكلف ما تكلفه أحدث الأسلحة الحربية التي تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات الخضراء، واستثمار هذه في بناء مدن حديثة مجهزة للمواطن الذي ما عاد في خضم الأزمة العالمية يكسب حتى قوت يومه.
غير أن من مضار هذا السلاح الفيروسي، هو ما قد يحدثه من فوضى عارمة في العالم..... قد يعيدنا إلى زمن ما قبل التاريخ!
التعليقات