كمال علي الخرس


laquo;يشن البشر الحرب ساعة يشاؤون، وينهونها ساعة يستطيعونraquo;. نيكولا ميكافيللي
الحرب على الإرهاب التي أعلنتها الولايات المتحدة عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، بدأت حلقاتها عسكرياً بغزو أفغانستان ثم العراق، وتتابعت بعمليات متفرقة نوعية في باكستان وفي دول أخرى، وصاحبها أيضاً تهديدات بحروب... تارة ضد إيران وأخرى ضد سورية، وحروب بالوكالة كحرب إسرائيل على لبنان في يوليو عام 2006، رافق ذلك وعد أميركي بخلق نظام عالمي جديد.
عقب الحادي عشر من سبتمبر، فتح بوش الابن جبهة عريضة تحت مسمى الحرب على الإرهاب، شملت دولا عدة مهمة سميت بمحور الشر، ودولا أخرى قريبة منها، وتنظيمات سياسية وعسكرية متعددة، وآلاف الأفراد، في قائمة أهداف كونية، قد لا يكون لها في تنوعها واتساعها وتباعدها الجغرافي مثيل في التاريخ.
ساعد هذا الاندفاع، ورد الفعل الأميركي بفتح هذه الجبهة الواسعة، الزخم الهائل لذروة القوة الأميركية وذلك بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وانتصارها الساحق على نظام صدام وطرده من الكويت في نهاية القرن الماضي، وانفرادها بالقرن الواحد وعشرين كأعظم قوة على الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
ولكن بعد هجمات سبتمبر وفتح جبهة عريضة للحرب على الإرهاب، أصبحت أميركا رهينة ما أسماه المؤرخ الأميركي الشهير بول كينيدي laquo;التمدد الامبرياليraquo;، وهي حالة تكون فيها الأمبراطورية الأميركية، كما أسماها، شبيهة بحال الامبراطوريات الآفلة حينما تكون التزاماتها ومصالحها أكبر من أن تستوعبها امكاناتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
لقد كان قمة laquo;التمدد الامبرياليraquo; في عهد بوش الابن وشجع ذلك خروج نظريات تدعو إلى فوضى بناءة وخلق نظام عالمي جديد، حتى أشار العقل الاستراتيجي الأميركي الكبير هنري كيسنجر في احد كتبه بأن أميركا باتت في وضع مناسب لأن تنشر قيمها ومفاهيمها في الحياة على بقية دول وشعوب العالم. ولكن الاندفاع الأميركي عسكرياً وسياسياً لم يحقق لها أهدافها بل بالعكس من ذلك فقد قادها إلى أكبر متاهة استراتيجية تفوق متاهة جيوش نابليون وهتلر في الثلوج الروسية.
استشعرت المرحلة الأوبامية، ان صحت التسمية، الخطر من هذا الانزلاق الخطير، ولكن عدا عن الجمل الرنانة والعبارات المطاطية لم تستطع إدارة أوباما مواجهة تحدي laquo;التمدد الامبرياليraquo; بسياسة واقعية وتغييرات جذرية، بل كما توقع المؤرخ كيندي في كتابه laquo;قيام وسقوط القوى العظمىraquo; بدأت أميركا بدفع الفاتورة الباهظة لتمددها الامبريالي، فاتورة ذات كلفة مالية هائلة في أفغانستان والعراق وغيرهما، وكلفتها السياسية كبيرة جداً وذلك في تورطها في حربها على الإرهاب مباشرة في الأراضي الباكستانية المضطربة، وكذلك ما لاقته من نقد اخيراً من الرئيس اليمني بسبب اسلوبها في الأراضي اليمنية التي تعاني أصلاً من نزاعات مختلفة.
حتى أن إدارة أوباما لم تستطع تحمل نقد الجنرال الأميركي المخضرم ماك كريستال قائد قوات الحلف الأطلسي بأفغانستان، والذي كان قد حقق نجاحات على الأرض الأفغانية الوعرة، وحاز رضى قطاعات واسعة من السكان، لكن القادة في واشنطن لم يكونوا على قدر استيعاب هذا القائد العسكري الذي كان يحظى بدعم واعجاب القيادة الأفغانية. أما في العراق ذي الموقع الحيوي جداً لم تقم ادارة أوباما سوى بعملية تقليص وإعادة انتشار لقواتها، تشبه إلى حد كبير حالة من الانسحاب الاستراتيجي لكن غير المنظم.
إضافة إلى ذلك ما تواجهه إدارة أوباما من استحقاقات ما يسمى مفاوضات التسوية المشهود بعقمها خصوصاً مع وجود حكومة متحفزة للمواجهة بقيادة نتنياهو المعروف بجدليته، وأيضاً ما يمكن أن تشهده جبهة غزة ولبنان من مواجهات قد تقلب الأولويات لدى إدارة أوباما. إضافة لذلك ما يواجهه الرئيس الأميركي في الداخل من تنامي قوة اليمين المتطرف مدعوم من بعض القوى المناوئة لإدارته الديموقراطية ويبدو ذلك جلياً في الجدل الدائر حول بناء مركز إسلامي في موقع هجمات سبتمبر بنيويورك، وتهديد القس جونز بحرق نسخ من القرآن الكريم إن تم بناء المركز.
نعم، إن ما حصل من جدل حول بناء مركز إسلامي في موقع الهجمات الإرهابية لبعث ما يسمى روح التسامح الأميركية، واجه تحدياً كبيراً، أسهم في تبديد الفكرة التي طرحها الباحث الأميركي صامويل هاننجتون في كتابه laquo;من نحنraquo; وقال بها laquo;ان أميركا تستطيع أن تستوعب العالم تعددياً وتعيد في الوقت نفسه تشكيل العالم بقدرتها الامبرياليةraquo;. هذا التصور من الباحث الأميركي أثبت عدم واقعيته، حيث لا أميركا تستطيع استيعاب الكرة الارضية وان عظمت قدراتها، ولا في إمكانها بالوقت نفسه أن تعيد تشكيل العالم.
الآن وفيما تمر على العالم الذكرى الرهيبة لهجمات الحادي عشر من سبتمر لعام 2001، لم تتم بعد سلسلة حلقات معارك الحرب على الإرهاب، لكنه يبدو أن المعارك الكبيرة لهذه الحرب لم تبدأ بعد، فيما قد تكون بعد ذلك حرب أميركا على الإرهاب آخر حروبها وأكثرها حماقة.