سعيد حارب
تشكل ظاهرة الغلوّ والتطرف الدولي أبرز الظواهر الاجتماعية المرتبطة باستخدام القوة في عصرنا الحديث، وقد شملت هذه الظاهرة كثيراً من المجتمعات العربية والإسلامية وغيرها، بل أصبحت هذه الظاهرة محطَّ اهتمام الباحثين والدارسين في المؤسسات والمراكز العلمية، كما أصبحت مجالاً واسعاً للبرامج الإعلامية بصورها المختلفة، وانشغلت المجتمعات بهذه الظاهرة التي خرجت من كونها حالة محدودة إلى أن أصبحت ظاهرة دولية، وقد اختلطت فيها المفاهيم والتصورات، كما اختلطت الأسباب والدوافع، لكن الملاحظ أن ظاهرة الغلو والتطرف ارتبطت بالعنف أو ما سمِّي بالإرهاب، وقد تأثرت بعض الدول العربية والإسلامية بهذه الظاهرة، وبدا ذلك واضحاً من خلال عمليات التطرف والعنف الموجهة ضد المدنيين والأبرياء غير المقاتلين، وكذلك ضد قوى الأمن والجيش في هذه الدول، مما أعطى بُعداً لهذه الظاهرة التي كانت تبرر تصرفاتها باعتبارها موجهة ضد القوى الأجنبية، وإذ بها تنقل معركتها إلى بعض مدن وشوارع البلاد الإسلامية، مما يسقط تلك الدعوة ويدفع بإعادة البحث عن دوافع هذه الظاهرة وأسبابها والبحث عن معالجتها، وإذا كانت هذه الظاهرة قد تجددت في المجتمعات الإسلامية، إلا أنها تضرب بجذور تاريخية تمتد إلى فترات متقدمة من التاريخ الإسلامي كحركات الخوارج والزنج والعبيديين والقرامطة والحشاشين، وغيرها من الدعوات والحركات التاريخية التي برزت خلال فترات من تاريخ المسلمين، فقد عادت تطلّ برأسها مرة أخرى، لكن بأسماء وأهداف ورؤى جديدة تتناسب مع واقع المرحلة التاريخية التي تمر بها.
وظاهرة العنف والتطرف، أو الغلو والتشدد كما يصطلح عليها فقهاء الأمة ليست قصراً على حياة المسلمين وتاريخهم، بل إن التاريخ البشري القديم منه والحديث شهد مثل هذه الظواهر، ففي التاريخ المعاصر برزت حركات عنف وإرهاب اصطبغت تارة بالفكرة الاشتراكية أو الشيوعية وتارة بالقومية والعنصرية وتارة بالصبغة الدينية، إذ لا يمكن أن نتجاهل دعوات وحركات عنف مثل الحركة الصهيونية وما فعلته وتفعله في فلسطين، وحركات أخرى مثل الألوية الحمراء في إيطاليا، وraquo;بادر ماينهوفraquo; في ألمانيا، وحركة laquo;أومraquo; في اليابان، والجيش الجمهوري الأيرلندي -في أيرلندا الشمالية عندما كان يتخذ العنف وسيلة لمواجهة القوات البريطانية التي كانت تمثل قوة احتلال كما كان يراها- ومنظمة laquo;إيتاraquo; في منطقة الباسك الإسبانية، وحركة laquo;1 نوفمبرraquo; في اليونان، والحركات الهندوسية المتطرفة في الهند، وبعض الحركات الثورية اليسارية في أميركا الجنوبية، بل إن هناك ما يقرب من 51 منظمة داخل الولايات المتحدة الأميركية تصنَّفُ على أنها حركات إرهابية، وقد ازدادت أعدادها وقوتها بعد مجيء الرئيس باراك أوباما، حيث تنظر إليه بعنصرية وترى أن أميركا يجب أن لا يحكمها شخص أسود!
ولسنا هنا للحكم على هذه الدعوات أو تصنيفها، بل للإشارة إلى أن هذه الظاهرة ليست حكراً على شعب دون غيره أو مجتمع دون سواء أو دين بذاته، بل شملت كافة المجتمعات والأديان والأعراق، وهنا تبرز أهمية الإشارة إلى أن خطورة الظاهرة في المجتمعات الإسلامية أنها ربطت بالإسلام، فتوصف هذه الظاهرة تارة باسم التطرف الإسلامي وتارة أخرى باسم الإرهاب الإسلامي، مما وصم المجتمعات الإسلامية بهذه الصفة، وتولّت كِبْرَ ذلك وسائل الإعلام والمؤسسات والمراكز المعادية للإسلام، إذ لا يكاد يمر يوم إلا وتطالعنا هذه الوسائل بدراسة أو بحث أو ندوة أو حديث لشخصية عامة يصف الإسلام بالتطرف والإرهاب، مستغلاً في ذلك تصرفات بعض المسلمين الذين تبنوا هذا المنهج في العلاقة بالآخرين، مما دفع المسلمين كافة ليقفوا موقف الدفاع عن مبادئهم ودينهم وعقيدتهم في محاولة لإبراز حقيقة الإسلام ودفع التهمة عنه، ورغم اتساع ظاهرة التطرف والعنف في السنوات الأخيرة فإن العالم لم يحدد تعريفاً دقيقاً لهذه الظاهرة، وذلك راجع لأسباب سياسية لا علاقة لها بحقيقة هذه الظاهرة، ففي الوقت الذي ينظر فيه البعض إلى استخدام القوة كحق مشروع في عمليات التحرر من السيطرة والاستعمار والاحتلال، ينظر البعض الآخر إلى أية عملية من ذلك باعتبارها إرهاباً وتطرفاً، ولذا فإننا لا نجد تعريفاً محدداً لهذه الظاهرة، وما ورد في ذلك لا يتجاوز التعريفات الوارد في القواميس القديمة التي لم تنظر إلى الظاهرة كحالتها المعاصرة ذات الجوانب المتعددة والتي تشمل مظاهر الحالة وأسبابها ودوافعها وآثارها على المجتمعات وإنما نظرت إليها باعتبارها حالة إجرامية بحتة، مما يستدعي دراسة متأنية لهذه الظاهرة بأسبابها السياسية والاقتصادية الاجتماعية والفكرية، ورغم كون العالم في مؤسساته ومراكزه البحثية وجامعاته laquo;انشغلraquo; خلال العقد الأخير بهذه الظاهرة، فإن جل الدراسات والأبحاث اتجه حول العلاقة بين الإسلام والإرهاب، في توجه لا يخلو من سوء النية، مما يستدعي قيام المؤسسات الإسلامية البحثية بدورين رئيسين، هما البحث في هذه الظاهرة بأدوات إسلامية بعيدة عن التأثر بما يقذفه الآخرون، والمهمة الثانية مواجهة محاولات الربط بين الإسلام laquo;كدينraquo; وبين الإرهاب laquo;كظاهرةraquo;.
التعليقات