انكماش أمريكي نحو الداخل

هاشم عبده هاشم
الرياض السعودية
** ماذا بعد أن أكمل الرئيس الأمريكي.. باراك أوباما جولته الآسيوية التي بدأت يوم الجمعة الموافق للخامس من شهر نوفمبر الحالي.. والتي غطت كلاً من الهند واندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان واستغرقت عشرة أيام..؟!
** إن الملاحظ هو أن هذه الجولة قد استثنت بلدين كبيرين مهمين هما: باكستان والصين.. وأن أوباما لم يذهب إلى تلك الدول الأربع في حملة علاقات عامة.. وإنما ذهب إليها لتحقيق شراكة واسعة لبلده معها.. والبدء في مرحلة بناء الثقة بينه وبين الشعب الأمريكي في أعقاب الانتخابات الأخيرة المقلقة..
** وهذا يعني أن أوباما يتطلع من وراء هذه الجولة إلى تحقيق أهداف وطنية حيوية وفي مقدمتها: زيادة الصادرات الأمريكية إلى دول العالم الأخرى وبصورة أكثر تحديداً إلى هذه الدول الأربع المهمة.. تنشيطاً للاقتصاد الأمريكي.. وحلاً لأكبر مشكلة تواجهه ممثلة في ارتفاع معدلات البطالة وندرة الوظائف في أمريكا..
** وقد تكون لهذه الجولة ايجابيات أخرى.. تداركاً لنتائج الانتخابات التي أدت إلى مغادرة الديموقراطيين لمجلس النواب وخسارتهم للأغلبية التي كانوا يتمتعون بها فيه.. وعودة الجمهوريين إلى المجلس.. وكأنهم يرسلون بذلك رسالة إلى الشعب الأمريكي مؤداها.. أن شعارات الديمقراطيين التغييرية.. وسياساتهم فاشلة.. وأن المستقبل لعودة الأمور إلى قبضتهم.. وتحديداً إلى يد رأس المال الذي وجه ضربة قوية إلى أوباما.. وسياساته.. وإلى التشريعات التي أصدرها حتى الآن.. أو كان ينوي العمل على إصدارها.. والتي تفرض عليهم المزيد من الضرائب والاستحقاقات للشعب الأمريكي..
** لذلك فإن قيام الرئيس أوباما بهذه الزيارات وهو (جريح) و(مضروب) في الصميم.. ومدرك لمدى الصعوبات التي سيواجهها في المستقبل وتأثيرها على فرص التجديد له لفترة ثانية.. قيام الرئيس أوباما بهذه الجولات في هذا الوقت بالذات.. إنما يؤكد أن أمريكا مقبلة على فترة عصيبة يشغلها الداخل كثيراً.. ويفرض على قيادتها اهتماماً أكبر بالشأن العام.. بدءاً بالعمل على توفير الوظيفة.. والتوسع في الإنتاج.. وانتهاءً بمواجهة الضغوط الشديدة لرأس المال على القرار الأمريكي وعدم الرضوخ لسياساته وتوجهاته ومصالحه التي تلقى دعماً كبيراً من الحزب الجمهوري المنافس بقوة.. وكذلك بتطوير سياسات الإقراض والتمويل وتوفير السيولة الكافية لإضفاء الحيوية على الاقتصاد الأمريكي ومعالجة المشكلات المالية والنقدية الحادة.. من جهة.. ومواجهة طوفان السلع الصينية واليابانية المتدفقة بقوة على الأسواق الأمريكية..
** وهذا يعني.. ان الولايات المتحدة في السنتين القادمتين المتبقيتين للرئيس أوباما في السلطة لن تكون معنية كالسابق بقضايا الإرهاب.. أو السلام في الشرق الأوسط.. أو مهمومة بالوضع في العراق وأفغانستان.. والسودان والصومال.. أو مهتمة بقضايا التنمية والاستقرار في بعض مناطق العالم ومنها منطقتنا.. ليس فقط من أجل استكمال فترته الرئاسية الأولى بنجاح وتأكيد مدى جدية أوباما في إحداث التغيير الايجابي في بلده.. كما وعد بذلك من انتخبوه وقرروا اختياره لرئاسة الولايات المتحدة.. وإنما لإثبات قدرته على تغيير العالم أيضاً.. واستحقاقه للفوز بفترة ثانية تعد بالمزيد من الانجازات الداخلية.. والخدمة لمصالح المواطن الأمريكي.. وهمومه.. وتطلعاته.. وتبتعد كثيراً عن (التهويمات) السابقة.. ربما في أكبر عملية انكماش خارجية للولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها الحديث..
** يحدث هذا في إطار المراجعة العاجلة التي بدأها بعد ظهور نتائج هذه الانتخابات.. وهي نتائج مزلزلة.. اعترف الرئيس بأن السبب فيها هو المبالغة في التركيز على التنظيم.. وإدراكه الآن لمدى الحاجة إلى الانتقال إلى تطبيقات أكثر واقعية يلمس نتائجها الشارع الأمريكي يوماً بيوم..
** وذلك يعني.. أننا كعرب قد أضعنا فرصاً حقيقية لاستثمار حماس أمريكي مبكر لانجاز سلام شامل وقيام دولة فلسطينية خلال عام.. عندما فضلنا الاستمرار في اتباع سياسات تقليدية اعتدنا عليها منذ عام ١٩٤٨م وحتى اليوم..
** كما يعني أن على دول العالم ونحن دول المنطقة في مقدمتها.. ان تدرك ان الشأن المحلي هو الأكثر احتياجاً للتركيز عليه.. والاهتمام به.. وإشباعه دون التجاهل لقضايا الاقليم أو القضايا الدولية ذات المساس بنا أو التأثير علينا لكن دون مبالغة في ذلك.. أو انغماس لا مبرر له فيها..
** وسوف يتجسد ذلك في تعامل (الرئيس الأمريكي) مع الشأنين المحلي والخارجي.. وهو ما يستدعي منا كعرب درجة أكبر من الاعتماد على الذات والعمل بصورة مختلفة.. والاقلاع عن سياسات (ما لا يتحقق اليوم سوف يتحقق في الغد).. لأن أحداً لا يستطيع ضمان طبيعة الغد الذي يراهن عليه.. أو بنى عليه حساباته المغلوطة.
***
ضمير مستتر:
(أنت وليس غيرك.. من يستطيع أن يحمي نفسه ويحقق طموحاته.. ويصون مكتسباته).
الملفات المنتظرة
علي الظفيري
العرب القطرية
القمة القادمة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي تعقد نهاية الشهر المقبل في أبوظبي، وهي تتزامن مع الذكرى الثلاثين لإنشاء المجلس بين الدول الخليجية الست، وهذه فترة كافية لتقييم وتقويم التجربة التعاونية بين دول الخليج، لابد من مراجعات جدية لمشروع الوحدة الخليجي بعد كل هذه السنوات التي مرت على إطلاقه، وعلينا ألا نكتفي بما تم إنجازه في العقود الثلاثة الماضية، ثمة ملفات كبيرة ومعقدة على طاولة كل اجتماع يتم ترحيلها دون حسم، وملفات أخرى رئيسية يتم تجاهلها بسبب الخلافات البينية حولها، وهذا التجاهل هو ما يقف عقبة في وجه اتحاد خليجي قوي وقادر على مواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة.
من دون شك استطاعت منظومة التعاون الخليجي خلال العقود الثلاثة تحقيق إنجازات ملموسة على صعيد العلاقات الداخلية، فرغم كثير من الخلافات -الخفية والمعلنة- بين دول المنظومة، إلا أن عجلة التعاون في ملفات شعبية لم تتوقف، ولم يتأثر التعاون كثيرا كما يحدث في حالات عربية مشابهة، كأن هناك اتفاق laquo;جنتلمانraquo; بين الدول على عدم تعطيل مصالح الناس، والسير قدما في إيجاد أرضية مشتركة تيسر حياة المواطنين في الدول الست. في العقد الأخير تطورت الأمور بشكل إيجابي بعد حسم قضايا مهمة مثل توحيد الضريبة الجمركية والسوق الخليجية المشتركة وتملك المواطنين في الدول الأخرى والتنقل بالبطاقات الشخصية، وصولاً إلى إقرار العمل بعملة خليجية موحدة وإن كانت بغير مشاركة الإمارات وسلطنة عمان، إضافة لقرار شعبي بامتياز تمثل بمدّ مظلة الحماية التأمينية لمواطني دول مجلس التعاون العاملين في الدول الخليجية، وعلى المستوى الشخصي -وكمستفيد من القرار- زاد هذا الإجراء من ثقتنا في المنظومة، فقد أصبح عملي في أي دولة خليجية يمنحني الامتيازات ذاتها التي يحصل عليها المواطنون في بلدانهم.
الإنجازات المذكورة لا تقلل من قيمة وأهمية ملفات كبرى عالقة لم تستطع المنظومة الخليجية مواجهتها، وعلى رأسها ملف الأمن والسياسة الخارجية، وإذا كان العامل الرئيسي في ولادة مجلس التعاون الخليجي وانطلاقته هو الهاجس الأمني مع بدايات الحرب العراقية الإيرانية، فإن المجلس حتى هذه اللحظة لم يستطع خلق حالة الاستقرار المنشودة، وما زالت القاعدة التي نتكئ عليها في حماية هذه المنظومة قاعدة هشة وضعيفة ومستوردة، وما زلنا في المنطقة صيدا سهلا لأي استهداف خارجي، كما أن عملية الابتزاز وسلب مقدرات هذه الدول الخليجية قائمة على قدم وساق منذ عقود، ومع كل طفرة في أسعار النفط تنهال صفقات السلاح الكبيرة على المنطقة دون أن يتحقق مفهوم الأمن الحقيقي في البلدان الخليجية، وكل هذه الهشاشة الأمنية في نظري نابعة من حالة عدم الثقة بين دول المنظومة الخليجية، فهي حتى الآن تنظر بعين الشك والريبة لأي محاولة دمج تسهم في خلق استقرار أمني في منطقة الخليج، إضافة لعنصر النفوذ الأجنبي الذي لا يسمح لأي محاولة نحو الاكتفاء الذاتي في قضية الأمن، أو أنّ وجوده وتقديمه لهذه الخدمات يعفي الدول على الأقل من عبء التفكير والمحاولة!
بالتأكيد هناك تلازم في ملفي الأمن والسياسة الخارجية، ولا يمكن التقدم في ملف دون أن يوازيه تقدم في الجانب الآخر، من هنا تقوم التجارب الوحدوية بأشكالها المختلفة على محاولة تقريب السياسات الخارجية للدول المنضوية في هذه الوحدة، وكذلك خلق أرضية مشتركة لتحقيق الأمن لجميع عناصرها، والأمن الخليجي يظل العقدة الكبرى التي تواجهها منظومة التعاون الخليجية، وتحقيق الاستقرار يتوقف على أمرين رئيسين، الإمكانيات التي تحقق هذا الهدف المنشود، والإرادة، وحديث الإمكانيات المتوافرة حديث طويل وتفصيلي في الخليج، لكنه يظل مرتبطا بالإرادة لدى قادة الدول، الإرادة التي يمكن أن تحدث انقلابات غير متوقعة قياسا على الطاقات الكامنة لدي دول المنطقة، الطاقات التي تنتظر قرارا شجاعا يقول: لن يتقدم هذا الخليج يوما إلا إذا كان أمنه في يد أبنائه!