Ergun Babahan - Today's Zaman


دخلت تركيا في أنواع جديدة من العلاقات التي لم تقتصر على مراكز القوة مثل روسيا والصين فحسب، بل شملت أيضاً الدول المجاورة لها، وبالتالي، بدأت السياسة الخارجية في تركيا تُعتبر مجرد امتداد للعلاقات الاقتصادية.

أقدمت إنكلترا، التي واجهت تراجعاً اقتصادياً ملحوظاً غداة الحرب العالمية الثانية، على تسليم مسؤولياتها على جبهتي تركيا واليونان إلى الولايات المتحدة، وكانت أهمية تركيا واليونان ترجع إلى التهديد الذي كان يطرحه الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة. خلال حقبة الحرب الباردة، كانت السياسة الخارجية التركية تخضع للنفوذ الأميركي إلى حد بعيد.

في تلك الفترة، كانت أنقرة عاجزة عن رسم خارطة طريق خاصة بها من دون الاستعانة بواشنطن، بل أكثر من ذلك بعد، كانت أنقرة مرتبطة بواشنطن على مستوى الأمن الدفاعي والتنمية الاقتصادية في آن، وفي كل مرة كانت أنقرة تمتنع عن الإذعان لأوامر الولايات المتحدة، لطالما حصلت تداعيات فورية لتلك الخطوة. لقد استغرقت تركيا وقتاً طويلاً لتتعلم كيفية مواكبة العالم الذي كان يخوض حرباً باردة من حولها.

اليوم، بدأت التيارات غير الشرعية داخل الدولة تختفي لأنها لم تفهم أنه لا مكان لها في النظام العالمي الجديد. خلال العقد الماضي، بدأت الأسس الاقتصادية الصلبة التي وُضعت خلال حقبة كمال درويش في تركيا تعطي ثمارها. وفي غضون ذلك، حصلت تغيرات مهمة جداً على المستوى العالمي، ربما لاتزال الولايات المتحدة القوة العظمى العالمية الوحيدة، ولكنها فقدت بلا شك النفوذ الذي كانت تتمتع به خلال حقبة الحرب الباردة. والآن، بدأت قوى أخرى، إلى جانب الولايات المتحدة، تظهر على الساحة العالمية، كالصين والهند. في الوقت عينه، تراجعت قوة أوروبا على المستويين العسكري والسياسي، مع أنها حافظت على أهميتها الاقتصادية، أما تركيا، فقد طبقت سياسة خارجية تعكس قيم شعبها، خلال حقبة تمكنت فيها من إرساء الديمقراطية بسرعة كبرى، هذا هو الواقع الذي يفسر التوتر القائم بين تركيا وإسرائيل في الفترة الأخيرة.

كذلك، تتماشى السياسة الخارجية التركية الجديدة مع العالم المتعدد الأقطاب القائم من حولها.

هكذا دخلت تركيا في أنواع جديدة من العلاقات التي لم تقتصر على مراكز القوة مثل روسيا والصين فحسب، بل شملت أيضاً الدول المجاورة لها، بالتالي، بدأت السياسة الخارجية في تركيا تُعتبر مجرد امتداد للعلاقات الاقتصادية.

في الواقع، تشير الظاهرة التي تسمى بـ'تحول المحاور' ببساطة إلى العملية التي تتكيف فيها تركيا مع نظام العالم الجديد من حولها، حين بذل الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون جهوده الشهيرة لتعزيز علاقة بلاده بالصين، كان ببساطة يواكب الظروف المستجدة في تلك الفترة. بعد ذلك، لم تقبل الصين بإعلان روسيا نفسها زعيمة البلدان الشيوعية في العالم، فنشأت خلافات جدية على مستوى الإيديولوجيا والمصلحة الوطنية بين البلدين. وبالتالي، حين عقد نيكسون تحالفاً مهماً ضد روسيا من خلال التصالح مع الصين، فهو لم يُقدم على تحريف محاور القوة، بل على مناورة دبلوماسية تناسب الواقع القائم في تلك الفترة. بالطريقة نفسها، ترتكز السياسة الخارجية التي تحاول تركيا تطبيقها اليوم على جهود تهدف إلى قراءة الوقائع العالمية من حولها بشكل صحيح واتخاذ الخطوات المناسبة بناءً على ذلك. لا تعني هذه المقاربة بأي شكل أن تركيا قطعت علاقاتها مع حلفائها الغربيين أو أنها باتت تفضل الشرق على الغرب اليوم، بل يعني ذلك أن أنقرة تدرك أهمية الشرق وهي مصممة على الاستفادة من المنافع التي يقدمها. إنها السياسة الخارجية التي يجب أن تعتمدها كل دولة تثق بنفسها وتريد تحسين موقعها ضمن النظام العالمي.

لابد من الاعتراف بأن عدداً من هذه الخطوات سينعكس سلباً على مصالح بعض العواصم العالمية، لكن يسهل رؤية ما يحصل في هذه العواصم عند النظر إلى من أطلق الجدل بشأن ظاهرة 'تحول المحاور' وإلى من يدعم هذا الجدل. في زمنٍ أصبح فيه العالم متعدد الأقطاب ومراكز القوة، ستعني أي سياسة خارجية باتجاه واحد أو بُعد واحد الإغفال أو العجز عن اقتناص الفرص القائمة. بشكل عام، يسير السياسيون الأتراك، رغم أخطائهم التكتيكية الظرفية، على الطريق الاستراتيجي الصحيح حتى الآن.